سوسيولوجيا المدرسة
1- مفهوم السوسيولوجيا أو علم الاجتماع
يتكون مصطلح السوسيولوجيا (Sociologie) من كلمتين هما: لوغوس (logie) بمعنى علم أو معرفة، وكلمة (Société) وتعني المجتمع. وبذلك، يكون مفهوم السوسيولوجيا هو علم المجتمعات البشرية، أو دراسة الظواهر الاجتماعية، في ضوء رؤية علمية.
ظهر علم الاجتماع مع بن خلدون، الذي أسس علم العمران البشري في ضوء فلسفة التاريخ والعلل العلمية والعقلية في القرن الثامن الهجري. وبعد ستة قرون ظهر علم الاجتماع في العالم الغربي وتحديدا خلال القرن التاسع عشر الميلادي على يد أوغست كونت (Auguste Comte) الذي استخدم مصطلح علم الاجتماع (Sociologie) سنة 1830م، وبعد ذلك، استقل علم الاجتماع عن الفلسفة مع إميل دوركايم (Émile Durkheim)، بعد صدور كتابه (قواعد المنهج في علم الاجتماع) سنة 1895م.
يندرج علم الاجتماع ضمن العلوم الإنسانية بصفة عامة، والعلوم الاجتماعية بصفة خاصة. والهدف الأساس الذي يسعى إليه هو دراسة المجتمع الإنساني بصفة عامة، ودراسة التنظيمات والجمعيات والجماعات والمؤسسات السياسية التي تنتمي إليها أو تشكلها جماعة من الأفراد بصفة خاصة.
وإذا كان علم النفس يدرس سلوك الفرد، فإن علم الاجتماع يدرس الظواهر المجتمعية. وهناك، علم النفس الاجتماعي الذي يدرس الجماعات الصغيرة ومختلف التفاعلات التي تتم بين الأفراد داخلها، سواء أكانت سلبية أم إيجابية.
يمكن الحديث عن عدة ميادين لعلم الاجتماع العام، فهناك علم الاجتماع الحضري، وعلم الاجتماع القروي، وعلم الاجتماع الصناعي، وعلم الاجتماع السياسي وعلم اجتماع الأسرة، وعلم اجتماع التربية، وعلم اجتماع المعرفة...وغيرها من الفروع.
ويعني هذا أن علم الاجتماع هو علم عام، يتضمن العديد من الفروع والشعب والتخصصات العلمية، ويتأرجح هذا العلم بين ما هو ذاتي وموضوعي، كما يتأرجح على المستوى المنهجي بين الفهم، والتفسير، والتأويل.
2- تعريف سوسيولوجيا المدرسة
يمكن تعريف سوسيولوجيا المدرسة sociologie de l’école أو سوسيولوجيا التربية sociologie de l’éducation بأنها فرع من فروع علم الاجتماع الذي يهتم بدراسة الظاهرة التربوية من منظور سوسيولوجي. وبذلك فهي تختلف عن سيكولوجيا التربية التي تهتم بدراسة وتحليل الظاهرة التربوية انطلاقا مما هو نفسي أو فردي حيث تركز على مواضيع محددة مثل النمو وآليات التعلم والاكتساب والقدرات الخاصة والاستعداد وأنواع الذكاء والذاكرة... وغير من المواضيع الخاصة بالفرد.
تهتم سوسيولوجيا التربية بدراسة الأنظمة التربوية والتفاعلات الاجتماعية داخل المحيط الأسري والمدرسي وأدوار المدرسة، مع التركيز على مجموعة من الظواهر الاجتماعية التربوية، مثل: سلطة المدرسة، والنجاح والإخفاق، والفوارق الاجتماعية والطبقية داخل المؤسسة، والهدر المدرسي، وديناميكية الجماعات، والشراكة التربوية، والتوجيه التربوي، والمسالك المهنية، وديمقراطية التعليم، وتفاعلات المدرسة الداخلية والخارجية، وقضية تكافؤ الفرص، وتحقيق العدالة الاجتماعية، بالإضافة إلى العديد من القضايا المشابهة. ومن ثم نجد أن سوسيولوجيا التربية تنفتح بشكل أوسع على المجالات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في تحليلها للظواهر التربوية.
لقد ظهرت سوسيولوجيا المدرسة في أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين على مجموعة من الرواد الأوائل ومن بينهم جون ديوي بالولايات المتحدة الأمريكية، الذي نشر كتابه «المدرسة والمجتمع» سنة 1899. وإميل دوركايم الذي كان أستاذا محاضرا في جامعة بوردو. ومن أهم كتبه، في هذا المجال، كتاب (التربية الأخلاقية) الذي نشر ما بين سنتي 1902و1903. كما تطورت سوسيولوجيا المدرسة في سنوات الستين من القرن الماضي؛ وعرفت ازدهارا علميا ومنهجيا مع مجموعة من الباحثين، أمثال: الفرنسيين: بيير بورديو (Pierre Bourdieu)، وكلود باسرون (Jean-Claude Passeron)، ورايمون بودون (Raymond Boudon) وغيرهم من الباحثين الأمريكيين والبريطانيين.
3- تاريخ المدرسة المغربية
يمكن القول بأن المدرسة بشكل عام هي مؤسسة تعليمية وتربوية تقوم بعملية التكوين والتأطير والتأهيل، إلى جانب وظائف أخرى اجتماعية وسياسية وأيديولوجية وغيرها. وقد عرفت هذه المؤسسة في مختلف المجتمعات العديد من التطورات عبر المراحل التاريخية. إلا أن التركيز هنا سيتمحور بالأساس حول تاريخ المدرسة المغربية على وجه الخصوص. فما هي إذن الأشواط والمراحل التاريخية التي قطعتها المدرسة المغربية؟ وما هي التطورات اللاحقة التي عرفتها إلى حد الآن؟
يمكن التمييز في تاريخ المدرسة المغربية بين مجموعة من المراحل وهي:
- مرحلة المدارس العتيقة أو التقليدية
- مرحلة المدرسة الاستعمارية
- مرحلة تأسيس المدرسة الوطنية
- المذهب التعليمي الجديد
- مرحلة الأزمات والإصلاحات
1-3- مرحلة المدارس العتيقة بالمغرب
ظهرت المدارس العتيقة بالمغرب في العهد المرابطي خلال القرن الخامس الهجري. ثم تطورت مع الموحدين الذين قاموا ببناء المدارس في أفريقيا الأندلس والمغرب. وقد عرفت هذه المدارس ازدهارا كبيرا في عهد المرينيين الذين أسسوا الكثير من المدارس في المدن المغربية كفاس ومكناس وسلا ومراكش وغيرها.
تميز المحتوى الدراسي، في المدارس العتيقة المغربية، بالطابع الموسوعي، وتعدد المواد الدراسية التي كانت تجمع بين العلوم النقلية والعقلية. كما استخدمت المدارس العتيقة مجموعة من الطرق التربوية في التدريس، شملت الطريقة المعجمية الاصطلاحية، الطريقة العراقية، الطريقة القيروانية، الطريقة المغربية، الطريقة الفاسية، الطريقة الأندلسية، الطريقة الحديثة.
2-3- مرحلة المدرسة الاستعمارية
ظهرت المدرسة الاستعمارية إبان فترة الحماية منذ 1912إلى 1956، تميز التعليم في هذه المرحلة بالطابع النخبوي، حيث كانت نسبة التعليم في فترة الحماية ضئيلة جدا؛ لأن فرنسا لم تكن تسعى إلى تعميمه، بل كانت تقصره على نخبة معينة. كما أصدرت فرنسا الظهير البربري سنة 1930والذي يقضي بفصل الأمازيغ عن إخوانهم العرب، بإنشاء مدارس خاصة للأمازيغيين، تكون مخالفة للمدارس العربية الإسلامية الأصيلة أو ما يسمى بالمدارس العتيقة. والهدف من ذلك كله هو تطبيق سياسة فرق تسد وإثارة الخلافات العرقية بين سكان المغرب.
3-3- مرحلة تأسيس المدرسة الوطنية
بعد استقلال المغرب سنة 1956م، قرر المغرب تطبيق نظرية البديل الوطني بدل اتباع سياسة المحتل الفرنسي في مجال التعليم. وقد أنشئت اللجنة الملكية لإصلاح التعليم، فعقدت أول اجتماع لها يوم28 شتنبر1957م. وقد أقرت اللجنة المبادئ الأربعة لإصلاح التعليم، وهي: التعميم، والتوحيد، والتعريب، والمغربة. والهدف من هذه المبادئ الأربعة هو تحقيق التنمية المجتمعية الشاملة. إن النتائج العملية لحصيلة الحكومات المغربية في السنوات الأولى من الاستقلال في ميدان التعليم، قد جاءت متناقضة مع المذهب التعليمي الذي تم إقراره والذي اعتمدت فيه المبادئ الأربعة السابقة التي حظيت بالإجماع الوطني.
3-4- مرحلة المذهب التعليمي الجديد
بعد أن تحقق تعميم التعليم بالمغرب، وتزايدت أعداد المتعلمين، عجزت الدولة عن تحمل مصاريف هذه الأعداد الضخمة، فأرادت الدولة التراجع عن سياسية التعميم لأن ميزانيتها لا تستطيع أن تتحمل نفقات هذه الأفواج الضخمة من التلاميذ والطلبة، فأصدر وزير التعليم آنذاك، في بدايات الستينيات من القرن الماضي سياسة تعليمية جديدة تسمى بمذهب بنهيمة نسبة إلى وزير التعليم آنذاك الذي عين مباشرة بعد إضرابات التلاميذ بالدار البيضاء.
لذلك اضطرت الدولة إلى إخضاع التعليم للمحك الاقتصادي، والتراجع شيئا فشيئا عن قاعدة التعميم، وتعريب التعليم الابتدائي استعدادا لتعريب التعليم الإعدادي والثانوي. والتحكم في وتيرة الخريطة المدرسية، وتكييفها مع الفاتورة الاقتصادية وميزانية الدولة. وتضييق القاعدة الهرمية للخريطة التربوية.
5-3- مرحلة الأزمات
شهد التعليم المغربي، منذ استقلاله سنة 1956م، مجموعة من الأزمات والاختلالات والتناقضات تطلبت إصلاحات بنيوية وهيكلية مستعجلة جزئيا أو كليا. من بين هذه الأزمات: ازدياد عدد التلاميذ، وقلة المدارس والمؤسسات التربوية، وقلة الأطر المغربية، وقضية الترجمة والتعريب، وتكاثر نفقات التعليم، وضعف الإنتاج الاقتصادي المغربي، ومحدودية الخريطة المدرسية، وتبعية التعليم المغربي للمنظومة الفرانكفونية، وانتشار الأمية، وتفاقم ظاهرة الهدر المدرسي، وأزمة الفشل الدراسي، وانتشار البطالة، وانفصام النظرية التربوية عن واقع الشغل، وارتفاع فاتورة قضية الصحراء، وتراجع مصداقية الشهادة المغربية مع سنوات الثمانين من القرن الماضي، وتراجع المستوى التعليمي كما وكيفا مقارنة بالتعليم الخصوصي، وغياب سياسة تعليمية محكمة وجيدة، وضبابية فلسفة التعليم وغاياته، وفشل الإصلاحات التربوية المتعددة، وغياب التحفيز المادي والمعنوي، وانتشار العنف والغش والغياب في المؤسسات التعليمية، وتردي منظومة القيم، واكتظاظ الجامعات بالطلبة والطالبات، والإقبال المتزايد على الشعب الإنسانية والقانونية والاجتماعية، وسد الأبواب أمام خريجي كليات العلوم والهندسة والطب والتقنيات التطبيقية، وأزمة اللامساواة التعليمية الناتجة عن اللامساواة الاجتماعية والطبقية والثقافية.
3-6- مرحلة الإصلاحات
نظرا للأوضاع المتردية التي عرفتها المنظومة التربوية تم إحداث ورشات إصلاحية كبرى منذ الاستقلال إلى الوقت الراهن وهي كالتالي:
إصلاح 1957 الذي استهدف تأسيس المدرسة الوطنية المغربية، وقد ارتبط المنظور الإصلاحي بالمبادئ الأربعة: التعميم، والمغربة، والتوحيد، والتعريب.
إصلاح 1985 الذي كان بعنوان (نحو نظام تربوي جديد) ارتبط الإصلاح التربوي بتبني المقاربة بالأهداف السلوكية، ومراجعة الكتب المدرسية، وإعادة النظر في المناهج الدراسية وفي مضامينه وتنويع التعليم، وتحسين تدريس اللغات، وتعزيز مسلسل التعريب وإعطاء الأهمية للترجمة، وفتح شعبة التبريز لتكوين المدرسين وتقويتهم في المواد العلمية، وتنمية العلوم الرياضية والتقنية، وإحداث مسالك اللغات لتحقيق إصلاح بيداغوجي ناجع.
إصلاح 1994 الذي استهدف تجديد منظومتنا التربوية والمؤسسات التعليمية، وارتبطت الجودة فيه بمشروع المؤسسة والشراكة التربوية، كما تنص على ذلك المذكرة الوزارية رقم 73 بتاريخ 12 أبريل 1994
إصلاح 2000 وهو «الميثاق الوطني للتربية والتكوين»، والذي استهدف الرفع من جودة ف التربية والتكوين، من خلال التعلم الذاتي، وبيداغوجيا الكفايات، ومدرسة النجاح، والحياة المدرسية السعيدة. كما استهدف تطوير البرامج والمناهج الدراسية، والاستفادة من التكنولوجيا الإعلامية، وتكوين المدرسين تكوينا مستمرا، مع تحسين أوضاعهم المادية والمعنوية. علاوة على ذلك، دعا الميثاق الوطني للتربية والتكوين إلى ترشيد النفقات، وإصلاح الإدارة تخطيطا وتدبيرا وتقويما ومراقبة، مع الأخذ بالشراكة الداخلية والخارجية لتمويل قطاع التعليم.
إصلاح 2009 -2012 سمي «المخطط الاستعجالي» والذي جاء بعد فشل الميثاق الوطني للتربية والتكوين. إذ ارتأت وزارة التربية الوطنية تجاوز هذا الميثاق للأخذ بسياسة المخطط الاستعجالي. وقد تم إصدار مجموعة من المذكرات الوزارية الممهدة لتفعيل المخطط في مجال التربية والتعليم، وتتعلق هذه المذكرات ببعض الجوانب منها:
- محاربة ظاهرة الاكتظاظ بتشييد البنايات المدرسية، والاقتناء المرحلي لفضاءات تعليمية.
- إدخال المعلوميات إلى المدرسة المغربية من أجل عقلنة المنظومة التربوية، وحوسبة الإدارة للتحكم في التسيير والتدبير.
- التصدي لضعف الكفاءة التربوية عند ولوج مهنة التعليم، بمراجعة المسارات التكوينية،
- وضع تصور أولي حول إطار تنظيمي لعمل النقابات الذي تحتاج إليه الوزارة، وينبغي أن يقوم على التشارك والتعاقد والتمثيلية.
- إصلاح أوضاع المدرسة في العالم القروي.
- تشجيع الإبداع والبحث العلمي في المنظومتين التأهيلية والجامعية.
- ضرورة استقلالية الجامعة المغربية على مستوى اختياراتها الأساسية وعلى المستوى التربوي.
- تعميم التمدرس حتى خمس عشرة سنة للحد من الأمية، والتحكم في الهدر المدرسي.
الرؤية الاستراتيجية 2015-2030
جاءت الرؤية الاستراتيجية في سياق مجموعة من التطورات الدولية وحاجة المجتمع لإصلاح التعليم خاصة بعد فشل المخططات السابقة بالإضافة إلى ضرورة العمل لوضع خارطة طريق للإصلاحات المرتقبة. وتهدف هذه الاستراتيجية تحقيق مجموعة من الأهداف وهي:
- مدرسة الإنصاف وتكافؤ الفرص
- مدرسة الجودة للجميع
- مدرسة الارتقاء الفردي والمجتمعي.
- ريادة ناجعة وتدبير جديد للتغيير
وذلك باستخدام مجموعة من الرافعات ومن ضمنها:
- التحقيق الفعلي لمبدأ المساواة في ولوج التربية والتكوين دون تمييز
- إلزامية التعليم وتعميمه
- تجديد مهن التدريس والتكوين والتدبير
- التمكن من اللغات المدرسة وتنويع لغات التدريس
- النهوض بالبحث العلمي والتقني والابتكار
- ترسيخ مجتمع المواطنة والديمقراطية والمساواة
- ملاءمة التعلمات والتكوينات مع حاجة المجتمع ومهن المستقبل والتمكين من الاندماج
- تأمين التعلم مدى الحياة... إلى غير ذلك من الرافعات التي حددتها الرؤية الاستراتيجية.
القانون الإطار 51.17 ويتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي. ظهر هذا القانون في 19 غشت سنة 2019 وذلك بعد إخفاق جميع الإصلاحات السابقة المرتبطة بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، وإصدار التقارير الدولية التي أعطت نظرة سلبية عن التعليم المغربي بالإضافة إلى الملاحظات التي قدمها البنك الدولي حول منظومة التربية والتكوين بالمغرب، وكذا الخطب الملكية التي أقرت بأن التعليم المغربي يعاني الكثير من المشاكل على جميع الأصعدة، بالإضافة إلى إصدار الرؤية الاستراتيجية 2015-2030.
يهدف القانون الإطار المتعلق بمنظومة التربية والتكوين إلى تحقيق مجموعة من المبادئ وهي:
- الإسهام في تحقيق التنمية الشاملة والمستدامة.
- إلزامية وتعميم التعليم بالنسبة للأطفال في سن التمدرس.
- تزويد المجتمع بالكفاءات العلمية والمفكرين والمثقفين والأطر والعاملين المؤهلين.
- تأمين شروط وفرص التعليم والتكوين مدى الحياة.
- احترام حرية الإبداع والفكر.
- العمل على تطوير الوسائل لتحسين جودة التعلمات والتكوين.
وللمزيد من التفاصيل حول مجال الإصلاحات التربوية يمكن اعتماد المصادر والمراجع المتعلقة بالموضوع.
4- التنشئة المدرسية بالمغرب
يرتبط مفهوم التنشئة المدرسية بالمغرب أو خارجه بمجموعة من الجوانب السيكولوجية والسوسيولوجية والانثروبولوجيا والثقافية والأيديولوجية وغيرها. وهي تعني تعلم الحياة الاجتماعية المدرسية بما في ذلك اكتساب الفرد للقيم والمعايير والنماذج السلوكية التي تجعل منه عضوا مندمجا في المحيط المدرسي والاجتماعي. ولا يختلف هذا المفهوم إلا من حيث المضامين التربوية الخاصة بكل مجتمع. فالتنشئة المدرسية هي عملية تربوية بامتياز تهدف إلى إدماج الفرد داخل مجتمع معين من خلال تشرب مجموعة من القيم والمعايير. وتتم هذه العمليات وفق شروط تربوية تخضع للقصدية والتخطيط والتنظيم وتحكمها الصبغة الرسمية والمؤسسية.
1-4-الجوانب السيكوسوسيولوجية للتنشئة المدرسية
يمكن الحديث عن الجوانب السيكوسوسيولوجية للتنشئة المدرسية من خلال مجموعة من الوظائف التي تقوم بها سواء على المستوى النفسي أو الاجتماعي، وتتجلى هذه الوظائف فيما يلي:
- وظيفة التنشئة الاجتماعية
يقصد بالتنشئة الاجتماعية Socialisation عملية التطبيع الاجتماعي التي تقوم في جوهرها على التعليم والتعلم والتربية من خلال التفاعل الاجتماعي.
تهدف التنشئة الاجتماعية إلى إكساب الفرد في مختلف مراحله العمرية جملة من المعايير والأنماط السلوكية والاتجاهات المناسبة لأدواره الاجتماعية. مما يساعده على التوافق السليم والاندماج الجيد في المجتمع.
يعتبر إميل دوركايم Émile Durkheim وبيير بورديو Pierre Bourdieu من أبرز علماء الاجتماع الذين اهتموا بوظيفة التنشئة الاجتماعية للمدرسة، على أساس إدماج الفرد داخل المجتمع ليتأقلم مع وضعياته المجتمعية، ويحترم عاداته وأعرافه وقوانينه وتشريعاته. أضف إلى ذلك نقل قيم الأجداد والآباء إلى الأبناء ضمن جدلية الماضي والحاضر، وإعادة الإنتاج نفسه.
- وظيفة التربية والتكوين
تمثل المؤسسة المدرسية فضاء للتربية والتكوين وتحصيل المعارف والحقائق العلمية والتنافس بين المتعلمين بهدف النجاح والحصول على شهادات.
كما تعمل المدرسة على إكساب المتعلمين الكفايات الأساسية التي تساعد على النمو المتكامل للشخصية في جميع جوانبها. بالإضافة إلى تكوين أفراد قادرين على الاستقلال الفكري والأخلاقي، والقيام بالبحث العلمي وتنمية مهارات الإبداع والابتكار.
- وظيفة التغيير الاجتماعي
لا تقف المدرسة عند وظيفة المحافظة على إرث الأجداد فقط، بل تساهم في تغيير المجتمع كليا أو جزئيا. وفي هذا النطاق، يمكن الحديث عن ثلاث مدارس: مدرسة تغير المجتمع كما في اليابان، ومدرسة يغيرها المجتمع كما في دول العالم الثالث، ومدرسة تتغير مع تغير المجتمع كما هو حال المدرسة في الدول الغربية.
- الوظيفة الأيدولوجية
تعمل المدرسة على إعادة إنتاج النظام الاجتماعي القائم، والحفاظ على الموروث الثقافي وإدماج الفرد داخل المجتمع. كما تشكل المدرسة حسب ألتوسر جهازا أيديولوجيا وهي مؤسسة تعبر عن توجهات الدولة وتطلعاتها السياسية وأهدافها الأيديولوجية من خلال مقرراتها ومحتوياتها الدراسية ومناهجها. بالإضافة إلى ذلك تعتبر المدرسة عامل تنظيم وتوحيد. فهي تسعى للحفاظ على قيم المجتمع وعاداته وتقاليده وتكوين المواطن الصالح الذي يساهم في تنمية المجتمع وتطويره وتغييره نحو الأفضل.
2-4- بعض النماذج السوسيو ثقافية للمدرسة المغربية
تتجلى بعض النماذج السوسيوثقافية للمدرسة المغربية من خلال العمل على ترسيخ مجموعة من القيم المرتبطة بالجوانب التالية:
- الجانب الديني واحترام الهوية الحضارية.
- الجانب الاجتماعي الذي يحث على المشاركة الاجتماعية والتضامن واحترام الآخرين
- الجانب السياسي المرتبط بقيم المواطنة والحرية والمشاركة السياسية والديمقراطية...
- الجانب الفكري ويتجلى في قيم الانفتاح على ثقافة الآخر وتنمية المهارات الفكرية واكتساب المعارف العلمية والتكنولوجية.
المراجع
- عبد الله إبراهيم (2010) الاتجاهات والمدارس في علم الاجتماع، المركز الثقافي العربي، بيروت، لبنان، الدار البيضاء، المغرب، الطبعة الثانية.
- جميل حمداوي (2018)، سوسيولوجيا التربية، منشورات حمداوي الثقافية، الطبعة الأولى، تطوان.
- على الحوات (1979) أسس علم الاجتماع التربوي، جامعة الفاتح طرابلس، ليبيا.
- جون ديوي (1978) المدرسة والمجتمع، ترجمة أحمد حسن عبد الرحيم، دار مكتبة الحياة للطباعة والنشر، الطبعة الثانية، العراق.
- المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي. من أجل مدرسة الإنصاف والجودة والارتقاء. رؤية استراتيجية للإصلاح (2015-2030).
- المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي (2018) مدرسة العدالة الاجتماعية الرباط المغرب
- وزارة التربية الوطنية (2000) المدونة القانونية للتربية والتكوين، إشراف: المهدي بنمير، المطبعة والوراقة الوطنية، مراكش.
- Raymond Boudon. (1973). L'inégalité des chances. Paris : Armand Colin
- Pierre Bourdieu et Jean-Claude Passeron. (1964). Les héritiers : les étudiants et la culture. Paris : Les Éditions de Minuit
- Mohamed Cherkaoui. (1979). Les Paradoxes de la réussite scolaire, Sociologie comparée des systèmes d’enseignement. Paris : PUF
- Catherine Colliot-Thélène. (2006). La sociologie de Max Weber. Paris : La découverte.
- John Dewey. (1975). Démocratie et éducation, Paris : Armand Colin
- Emile Durkheim. (1974). L’éducation morale. Paris : P.U.F
- Marie Duru-Bellat & Agnès Van Zanten. (2012). Sociologie de l’école (4e édition). Paris : Armand Colin
- Roger Establet et Christian Baudelot. (1971). L'école capitaliste en France. Paris : Maspero
- Bernard Lahire. (2019). Culture écrite et inégalités scolaires : Sociologie de l’« échec scolaire ». Presses universitaires de Lyon
- Edgar Morin. (1984). Sociologie. Paris : Fayard
تعليقات
إرسال تعليق