مقاربات في التدريس - المقاربة بالإدماج
ويقصد بالإدماج: سيرورة ذهنية خاصة تربط بين العناصر التجزيئية بغية استخدامها في حل وضعية مشكلة.
ويعرف المجلس الأعلى للتربية في كبيك الإدماج بأنه: السيرورة التي تمكن التلميذ من عملية الربط بين معارفه السابقة ومعارفه الجديدة، فيعيد بالتالي بناء عالمه الداخلي ويطبق المعارف التي اكتسبها في وضعيات جديدة وملموسة.
ويعرف كزافيي Xavier الإدماج باعتباره عملية نربط من خلالها بين العناصر التي كانت منفصلة في البداية من أجل تشغيلها وفق هدف محدد.
1-الأطر المرجعية للمقاربة بالإدماج
تشكل نظريات التعلم إطارا مرجعيا هاما للمقاربة بالكفايات والمقاربة بالإدماج على حد سواء، حيث اعتمدت على:
- النظرية الجشطالتية التي تقوم على ادماج المكتسبات في إطار بنية كلية لها معنى محدد بالنسبة للمتعلم.
-
النظرية البنائية وتقوم في أساسها على جدلية التوازن واللاتوازن المعرفي.
فمبدأ الصراع بين المعارف السابقة والمكتسبات الجديدة وتدخل آليتي
الاستيعاب والتلاؤم لحل هذا الصراع، يضفي على التعلم طابعا ديناميكيا. وهنا
يصبح المتعلم عنصرا إيجابيا وفاعلا في تعلماته، وذلك بإدماج المكتسبات
المعرفية وإعادة بنائها وفق استراتيجيات خاصة. وكلما واجه المتعلم وضعية
مشكلة إلا واختل التوازن ليستنفر بعدها جميع مكتسباته وقدراته وآلياته
المعرفية من أجل استعادة التوازن المفقود.
- النظرية السوسيوبنائية
وتذهب إلى أن المعرفة نتاج للتفاعل بين المتعلم ومحيطه الاجتماعي. فالمتعلم
يبني معارفه بكيفية فعالة ونشطة من خلال سياق قائم على التفاوض والانتقاء
وإعطاء معنى للتعلمات. هذا بالإضافة إلى تقاسم المعرفة مع الآخرين، ومقارنة
الأفكار وتغيير التمثلات. ويذهب أقطاب السوسيوبنائية من أمثال فيكوتسكي
وموغني ووليام دواز وكليرمونت. وغيرهم إلى أن تطوير التعلمات يتم انطلاقا
من الصراع السوسيومعرفي كمبدأ أساسي للنمو والتعلم. لأن كل تعلم فعال هو
فعل اجتماعي بطبيعته. وإذا كان الصراع المعرفي يمثل نقطة مشتركة بين
البنائية والسوسيوبنائية فإن طبيعة هذا الصراع تجعل الاختلاف بين النظريتين
واضحا. فالصراع المعرفي باعتباره أحد السيرورات التعلمية عند بياجي يتم
داخل ذهن الانسان، في حين تذهب السوسيوبنائية إلى اعتبار هذا الصراع
اجتماعي خارجي يحدث من خلال تفاعل المتعلمين مع جماعة الفصل أو مع محيطهم
الاجتماعي ككل. غير أن هذا الاختلاف لا يلغي مبدأ التكامل بين النظريتين.
- السيكولوجيا
المعرفية وتهتم بتحليل آليات الاشتغال الذهني وتعتبر التعلم معالجة
للمعلومات، حيث يقوم الذهن أو العقل بمجموعة من العمليات مثل: استقبال
المعلومة وانتقائها، معالجة المعلومة وتفسيرها، ربط المعلومات ببعضها
البعض، تخزين المعارف واسترجاعها عند الحاجة، اتخاذ القرار وحل المشكلة.
وتعطي هذه النظرية أهمية قصوى لاستراتيجيات التعلم والعمليات الميتامعرفية
التي تجعل المتعلم أكثر استقلالا وفعالية في تعلماته، بالإضافة إلى وعيه
بمكتسباته المعرفية وبطرق التعلم التي يتخذها.
- البيداغوجيا الفارقية،
وتشكل إطارا هاما للمقاربة بالكفايات والادماج على اعتبار أن كل فرد يبني
تعلماته ويفكر بطريقته الخاصة، ويختار استراتيجيات ذهنية خاصة للوصول إلى
حل المشكلات التي تواجهه، كما أنه ليست هناك طريقة نمطية واحدة للتعاطي مع
الوضعيات المختلفة. ومن تم فهي تقوم على إنجاح التعلم والإقرار بوجود أنواع
مختلفة ومتعددة من الذكاء لدى المتعلمين، وأنه ليس هناك تلميذ غبي وآخر
ذكي. بل هناك فروق في قدرات المتعلمين يجب مراعاتها والعمل على خلق فرص
متكافئة تأخذ بعين الاعتبار الاختلاف بين المتعلمين حتى يتمكن كل متعلم من
إبراز قدراته الخاصة وتطوير مكتسباته، الأمر الذي يتطلب تنويع أساليب
التعليم واختيار أنشطة تعليمية مختلفة تمكن من استيعاب واستثمار جميع
القدرات الموجودة لدى المتعلمين.
2-المفاهيم الأساسية للمقاربة بالإدماج
هناك مجموعة من المفاهيم المهيكلة للمقاربة بالإدماج وتتجلى فيما يلي:
- الكفاية Compétence : تمكن الفرد من تحريك مجموعة مندمجة من الموارد بهدف حل وضعية مشكلة. وهذا يعني أن الفرد الذي لديه الكفاية ليس فقط هو الذي يمتلك بعض المكتسبات والمهارات والمعارف بل أيضا يستطيع تحريكها واستثمارها بطريقة فعالة لحل مشكلة محددة.
- الموارد Ressources : هي مجموع المعارف والمهارات والمواقف التي حصل عليها التلميذ من خلال تعلماته السابقة. وتسمى موارد داخلية للمتعلم وفي المقابل هناك الموارد الخارجية التي تعتبر ضرورية لتحقيق الكفاية، وهي الموارد المادية اي الوسائل اللازمة للإنجاز.
- الوضعية الهدف Situation cible : هي الوضعية التي تمثل انعكاسا للكفاية المراد ترسيخها لدى التلاميذ ويكمن اعتبار الوضعية الهدف مناسبة لتحقيق الكفاية وتقويمها.
- عائلة الوضعيات Famille de situations : وهي جملة من الوضعيات المستهدفة التي تمثل كل منها مناسبة لممارسة الكفاية.
- الهدف النهائي للإدماج L’objectif terminal d’intégration : يترجم الصورة المنتظرة للتلميذ بعد سلك تعلمي محدد في مادة معينة والهدف النهائي للإدماج هو المرادف لما يسميه كزافي Xavier بالماكرو كفاية. وتشمل هذه الأخيرة مجموعة من الكفايات ومجموعة من المعارف والمهارات والقدرات والمواقف المرتبطة بسلك تعليمي معين، وفي بعض الحالات نستخدم مفهوم الهدف الوسيطي للإدماج، والذي يغطي ثلة من الكفايات المرغوب فيها خلال سنة دراسية واحدة.
3- خصائص المقاربة بالإدماج
هناك مجموعة من الخصائص المميزة للمقاربة بالإدماج ومن بينها:
- الطابع السياقي: أي أن التعلم يحدث في سياق خاص. وقد يكون هذا السياق مدرسيا أو أسريا، أو مجتمعيا...إلى غير ذلك
- الطابع التركيبي: ويعني تعبئة الموارد وتوجيهها لحل وضعية مشكلة.
- الطابع الإدماجي: دمج الموارد التي يتوفر عليها المتعلم واستنفار جميع مكتسباته السابقة بهدف مواجهة الوضعيات المركبة وإيجاد الحلول المناسبة.
4- أهداف المقاربة بالإدماج
من ضمن أهداف المقاربة الإدماجية ما يلي:
- تمكين المتعلم من التحكم في مكتسباته في نهاية السنة الدراسية أو التعلم الأساسي.
- تنظيم التعلمات بأسلوب يضمن الارتقاء بالمتعلمين إلى مستوى أفضل.
- إعطاء معنى للتعلمات من خلال وضعها في إطار وضعيات تساعد المتعلم على استثمار مكتسباته، وتقويمها في النهاية.
- الربط بين مختلف التعلمات
- توظيف موارد مختلفة تنتمي إلى مواد دراسية متنوعة (الرياضيات، العلوم الطبيعية، الفلسفة، الفيزياء، التاريخ، الجغرافيا...)
- التأكد من تكامل الوحدات فيما بينها وأنها تخدم بعضها البعض
- نقل المكتسبات والكفايات المتعلمة خارج سياق التعلم
- الحفاظ على وحدة المجزوءة والاشتغال على الكفاية المستهدفة.
وهكذا
نجد أن المقاربة الإدماجية تتجه نحو عملية استثمار وتوظيف ما تعلمه الفرد
ونقل تلك الموارد وتوظيفها داخل وضعية تعلمية. حيث يكون ربط التعلمات واضحا
ولا يتم حل المشكلة الآنية إلا بعد استنفار وتجنيد الكفايات الخاصة ودمجها
مع الموارد الحديثة التي اكتسبها التلميذ داخل سياقات التعلم.
5- خصائص الوضعية الإدماجية ومكوناتها
لكي تتحقق أهداف المقاربة بالإدماج لابد أن تتوفر في الوضعية الإدماجية مجموعة من الخصائص أهمها:
- أن تكون الوضعية جديدة لم يسبق للمتعلم أن تناولها، وهو ما يعني ضرورة تجنب التكرار أو إعادة إنتاج لوضعيات سابقة.
- أن تكون الكفاية الأساس ملائمة للأهداف التي سيشتغل عليها التلميذ وينجز من خلالها مهمته.
- أن تكون الوضعية ذات معنى بالنسبة للتلميذ وذلك بوضعها في سياق يتوجه إليه، مع اختيار معطيات معقولة أي مرتبطة بالواقع المعاش.
- أن تنطوي الوضعية الإدماجية على قيم ومواقف يتم تنميتها وتطويرها في إطار الفضاء المدرسي، ومن تم يجب الحرص على اختيار الصور والدعامات المناسبة عند صياغة الوضعية.
- تأن كون الوضعية مركبة وتحتوي على العديد من المعلومات.
- أن تقترح الوضعية المشكلة (عائق) قابل للتجاوز من طرف التلميذ.
- أن تتم صياغة الوضعية بلغة واضحة يفهمها التلميذ بحيث لا تقبل التأويلات المختلفة.
- أن تخاطب الوضعية التلميذ بشكل مباشر وذلك بصيغة الأمر لا بصيغة الاستفهام.
- أن تتم صياغة الوضعية بشكل جيد حيث تكون قادرة على تشغيل أكبر عدد من التلاميذ.
أما بالنسبة لمكونات الوضعية الإدماجية فتتضمن الجوانب التالية:
-
السياق: وهو الإطار أو المجال الذي تحدث فيه الوضعية. ويكون لهذا السياق
حضور قوي في القيم المراد ترسيخها، وهو ما يتطلب من المدرس اهتماما أكثر
باختيار الصور والدعامات حتى لا تؤدي إلى تشكيل تمثلات خاطئة لدى
المتعلمين.
- الإسناد: وهي عبار عن جملة من العناصر المادية التي تقدم
للتلميذ مثل (الصور-النص المكتوب-الجداول-الخطاطات... وغيرها) من أجل
استثمارها في حل وضعية معينة. بشرط أن تكون الأسناد مرتبطة باهتمامات
المتعلمين وأن تتلاءم مع الوضعية وأن تكون قابلة للقراءة الواضحة من طرف
التلاميذ.
- التعليمة: وتعني التوجيهات الصريحة التي تقدم للتلاميذ
انطلاقا من الدعامة المعروضة وهي تترجم بوضوح المهمة المطلوبة من المتعلم.
ومن شروط التعليمة الجيدة ما يلي:
- أن تصاغ بأسلوب دقيق يوضح المهمات المطلوبة من التلاميذ بحيث يفهمها الجميع بنفس المعنى ودون تأويل.
- أن تمنح كل معيار فرصا مستقلة بهدف تقويمه.
- أن تتوجه مباشرة للمتعلم باستخدام أسلوب الأمر أو ضمير المتكلم.
- أن تترجم التعليمة مهمة وحيدة يقوم المتعلم بإنجازها، دون إدراج مصطلحات من قبيل: "أولا" و"ثم" في نفس التعليمة.
- التأكد من مصداقية الوضعية الإدماجية وتجريب مدى ملاءمتها لمستوى الفهم لدى التلاميذ.
ولعل
ما يمكن ملاحظته من خلال شروط وخصائص الوضعية الإدماجية أنها تتقاطع في
بعض جوانبها مع شروط الصياغة في الأهداف الإجرائية حيث تتطلب هذه الأخيرة
تحديدا واضحا لا يقبل التأويل، ولا يتم التأكد من مصداقية هذه الصياغة
وفهمها المشترك من طرف المدرس والتلاميذ إلا من خلال النتائج التي تكشف
عنها عملية التقويم.
6- تقنيات تطبيق الوضعية الإدماجية
يمكن
تطبيق الوضعية الإدماجية من خلال مجموعة من التقنيات والأدوات المنهجية
مثل: شبكة التحقق، شبكة التصحيح، المعايير والمؤشرات. وسنعمل فيما يلي على
تحديد ماهية كل أداة ودورها في تفعيل الوضعية الإدماجية.
- شبكة
التحقق: يتم استخدام هذه الشبكة بهدف التقويم الذاتي لكل متعلم وقياس مدى
تحكمه في الكفاية المستهدفة، وتقوم شبكة التحقق بمجموعة من الوظائف أهمها:
- تمكين المتعلم من مقارنة إنتاجه بما هو مطلوب منه.
- الكشف الذاتي عن الثغرات والأخطاء.
- التصحيح الذاتي للأخطاء.
- تمكين المتعلم من إعادة ترتيب معارفه ومعلوماته.
- تمكين الأستاذ من تحليل أخطاء المتعلمين، والاستفادة منها في عملية الإرشاد وتوجيه التلاميذ، كل بحسب احتياجاته.
-
شبكة التصحيح: وهي أداة لتقدير مدى تحكم المتعلم في المعايير التي تتضمنها
شبكة التحقق، والتي يمكن من خلالها التأكد من حصول الكفاية.
-
المعايير: وهي مجموع الخصائص والصفات المتفق عليها والمعتمدة من طرف
الباحثين لتقييم موضوع ما. وتتجلى أهمية المعايير في كونها تشكل اتفاقا بين
أكبر عدد من المصححين لضمان مصداقية النتائج وموضوعتيها. ومن المعايير
المعتمدة في كراسة الوضعيات ما يلي:
- معيار الملائمة: ويعني التحليل والتفسير المناسب لطبيعة الوضعيات التي يواجهها المتعلم. ولن يتأتى ذلك إلا إذا فهم والتزم بالتوجيهات المرفقة بكل وضعية على حدة.
- معيار الاستعمال الصحيح: ويتعلق الأمر باستخدام أدوات معرفية علمية ودقيقة، بالإضافة إلى تقديم معلومات ومفاهيم صحيحة حول المادة.
- معيار الانسجام: يمكن الإقرار بوجود معيار الانسجام إذا كانت هناك منهجية واضحة يحكمها الترابط والتسلسل المنطقي بين عناصر الإنتاج للمهام التي ينجزها المتعلم.
- معيار الإتقان: يتحقق هذا المعيار انطلاقا من الطريقة التي يقدم بها المتعلم إنتاجه للمهام المطلوبة. حيث يكون هناك استعمال جيد للورقة وتنظيم محتوياتها، مع تقديم معلومات صحيحة وجيدة، بالإضافة إلى وضوح الخط وقابليته للقراءة...إلى غير ذلك من معايير الإتقان.
-
المؤشرات: والمقصود بها الدليل المادي الذي يجسد المعيار. ويتم استخدام
المؤشرات كمظهر ملموس للمعايير لضمان الموضوعية في تقييم أداء المتعلم. ومن
أمثلة المؤشرات الدالة على المعايير ما ذكرناه سابقا في النقطة المتعلقة
بمعيار الإتقان.
من هنا يمكن أن نلاحظ بأن هذه الأدوات الأربع تلعب
دورا تكامليا في تفعيل الوضعية الإدماجية وإضفاء طابع العلمية والموضوعية
على نتائج التقييم المرتبطة بها.
من خلال ما ذكرنا سابقا يمكن القول بأن
الإدماج جزء من الكفايات، وهو سيرورة تعلمية يربط المتعلم من خلالها
معارفه السابقة بالمعارف الجديدة فيعيد بناءها، ويطبقها في وضعيات عديدة
ومختلفة. كما أن المقاربة بالإدماج تمثل الإطار العملي للمقاربة
بالكفايات، حيث تهدف إلى تنمية الكفايات لدى كل متعلم من خلال ايجاد علاقة
بين التعلمات التي اكتسبها بطريقة مجزأة والتنسيق بينها من أجل حل وضعيات
مركبة. كما أن الإدماج يمثل الطريقة الإجرائية لتطبيق الكفايات.
المراجع
- أحمد أوزي (2017) بيداغوجيا فعالة ومتجددة. كفايات التعليم والتعلم للقرن الحادي والعشرين. منشورات مجلة علوم التربية. الطبعة الأولى. مطبعة النجاح الجديدة. الدار البيضاء.
- كريمة حليم (2015) المدخل لعلوم التربية. الطبعة الأولى. آنفو-برانت. فاس.
- المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي. من أجل مدرسة الإنصاف والجودة والارتقاء. رؤية استراتيجية للإصلاح (2015-2030).
- عزيز الوافي (2011) ديداكتيك الإدماج. منشورات مجلة علوم التربية العدد 25 مطبعة النجاح الجديدة. الدار البيضاء.
- Yves Bertrand. (2003). Théories contemporaines de l’éducation. Lyon: Chronique sociale.
- Emmanuel Nal , & Nathalie Gavens. (2018). Les sciences de l’éducation, une culture pluridisciplinaire : Pour former et se former à l’enseignement et aux interventions socio-éducatives. Louvain-La-Neuve: De Boeck Superieur.
- Xavier Rogiers. (2001). Une pédagogie de l’intégration. Compétences et intégration des acquis dans l’enseignement. 2éme édition. Bruxelles : De Boeck université
تعليقات
إرسال تعليق