التقويم التربوي


 يرتبط التقويم التربوي ارتباطا وثيقا بجميع مراحل العملية التعليمية التعلمية. إذ لا يمكن تصور أي نشاط تربوي منظم بمعزل عن عملية التقويم، فهو الذي يوجه الفاعل
التربوي إلى تحديد نقط الضعف والقوة في العملية التعليمية التعلمية، من أجل اتخاذ القرارات الملائمة بشأنها. ونظرا للأدوار الهامة للتقويم التربوي حظي هذا الأخير باهتمام بالغ من طرف الأنظمة التربوية الحديثة.
فما المقصود إذن بالتقويم التربوي؟ وماهي أهميته ووظائفه وأنواعه؟ وما هي أساليبه؟ وما هي علاقته بالدعم الدراسي؟

1- تحديد المفهوم

هناك تعاريف كثيرة لمفهوم التقويم التربوي نقدم منها على سبيل المثال ما يلي:
- من الناحية اللغوية: فعل "قوم" يعني صحح وعدل وقاس الشيء بمقياس معتدل متوسط.
وفي اللغة الفرنسية: كلمة تقويم ترادفها Evaluation وتشير في مضمونها إلى التقدير والتثمين والحساب، كما تدل على رصد المسافة وحسابها.
- من الناحية الاصطلاحية: التقويم التربوي هو الجمع المنظم للمعلومات قصد معرفة مدى حدوث بعض التغييرات المقصودة لدى التلاميذ والمتضمنة في الأهداف، ومراقبة مستواها لدى كل تلميذ وإصدار الحكم الملائم واتخاذ القرارات المناسبة.

2- الدوسيمولوجيا والتقويم التربوي

يقصد بالدوسيمولوجيا: Docimologie الدراسة العلمية لطرق الامتحانات والمباريات.
وقد ظهر هذا المفهوم خاصة مع هنري بيرون Henri Piéron وباحثين آخرين من فرنسا وبلجيكا والهند وسويسرا وأمريكا. بهدف إيجاد الحلول الناجعة للمشاكل التي يطرحها التقويم التربوي.
ظهرت الدوسيمولوجيا كعلم، وذلك استجابة للحاجة الماسة لتدارس المشاكل العديدة التي تثيرها عملية التصحيح بسبب هيمنة العوامل الذاتية واختلاف المعايير المعتمدة لدى المدرسين. ومدى مصداقية النتائج. وهو ما يتنافى مع مبدأ تكافؤ الفرص. فمنذ بداية القرن الماضي أضحى الاهتمام واضحا بمسألة التنقيط والتصحيح، حيث كشفت العديد من الدراسات الميدانية كدراسة واينبيرغ    D.Weinberg وهنري لوجيي H.Laugier .. وغيرهما أن هناك فروقا جوهرية في النتائج بين المصححين لنفس الأجوبة.
ومن بين التفسيرات التي قدمها المختصون في الدوسيمولوجيا:
- غياب رؤيا واضحة ومشتركة لدى كل الفاعلين التربويين للأهداف المتوخاة من إجراء الامتحانات.  
- تدخل العامل الذاتي في تقدير الإجابات التي يقدمها المرشحون عن أجوبة الامتحان.  
- عدم الالتزام بالمقاييس الموضوعية في عمليتي التصحيح والتنقيط، وهو ما يؤثر سلبا على مصداقية النتائج.

3-وظائف التقويم التربوي

يذهب دولاندشير Delandsheere إلى أن التقويم التربوي يؤدي مجموعة من الوظائف وهي كالتالي:
- وظيفة توجيهية: تتمثل في توجيه التلاميذ إلى تعلم جديد انطلاقا من رصد مكتسباتهم السابقة ومدى استعدادهم لتعلمات مستقبلية.
- وظيفة قياسية تقديرية: تتجلى في مراقبة المكتسبات بشكل مستمر ومتابعة تقدم التلميذ ومراقبة مساره التكويني.
- وظيفة تشخيصية: تهتم بمعرفة ورصد عوائق التعلم ومشاكله وصعوباته.
كما نجد وظائف أساسية أخرى تتكامل مع ما قدمه دولاندشير وهي كالتالي:
- وظيفة بيداغوجية: وتتجلى من جهة في إمداد التلاميذ خلال عمليات التدريس بالمعلومات التي تسمح لهم باتخاذ القرارات المتعلقة بتوجيههم المدرسي.
- وظيفة اجتماعية: وتتجلى في ارتقاء المتعلم من درجة إلى أخرى مما يضمن تطوير مكانته الاجتماعية وتحسين وضعيته وحصوله على احترام وتقدير الآخرين لما حققه من نجاحات في مسيرته التعليمية.
- وظيفة وجدانية: يمكن استنباطها من خلال الآثار النفسية للتقويم على المتعلم. وتتجلى في إثبات الذات وتحقيق الرضى بالنتائج الإيجابية التي تشجع وتثمن مجهودات المتعلم في الدراسة والتحصيل، وتتجلى أيضا في تحفيز المدرس والمتعلم على تحسين الأداء والرفع من مستوى المردودية كي يحظى باحترام الآخرين وتقدير الذات، وهو ما يدخل ضمن الحاجات السيكولوجية الأساسية لدى الإنسان.

4- أنواع التقويم التربوي

يمكن الحديث عن أسس مختلفة في تصنيف أنواع التقويم التربوي:
هناك من يصنف التقويم التربوي بحسب الأسس المرجعية التي يستند إليها المقوم وهناك من يصنف التقويم التربوي بحسب المراحل الزمنية والأهداف المتوخاة منه.
فبالنسبة للتصنيف الأول ينقسم التقويم التربوي بحسب الأسس المرجعية إلى ثلاثة أنواع هي:
- التقويم بالمحك Evaluation critériée  : يستند هذا النوع من التقويم إلى مقياس أو محك موضوعي متفق عليه من طرف مجموعة من المقومين، لاستخدامه كإطار مرجعي في الحكم على إنجازات التلاميذ.
- التقويم المعياري Evaluation normative  : يتميز هذا النوع من التقويم بكونه يعتمد على مقارنة إنجازات التلاميذ ببعضهم البعض حيث تصبح الجماعة معيارا مرجعيا للحكم على الأداء الذي يقدمه المتعلم.
- التقويم بالمسار الخاص للمتعلم Evaluation ipsative  : يتعلق الأمر بقياس أداء المتعلم مقارنة مع أدائه السابق، وذلك بهدف تشجيع المتعلم على تطوير دائه.  

أما بالنسبة للتصنيف الثاني للتقويم التربوي بحسب المراحل الزمنية والأهداف المتوخاة منه فيصنفه إلى ثلاثة أنواع وهي:
- التقويم التشخيصي: يكون في بداية النشاط التكويني. ويمكن اعتباره د راسة استطلاعية أولية يستكشف المدرس من خلالها خصائص التلاميذ ومكتسباتهم السابقة وتمثلاتهم واستعداداتهم وانتظاراتهم من التكوين.
- التقويم التكويني: يرافق العملية التعليمية التعلمية ويراقب سيرورة التعلم وإنجازات التلميذ والمدرس، والثغرات المتبقية خلال مهمة معينة، ومدى التحكم في الأهداف باستخدام التغذية الراجعة والتعزيز.
- التقويم الإجمالي: ويتم إجراؤه في نهاية الدورة أو السنة الدراسية بأكملها كما يحدث في الاختبارات الإشهادية. ويركز بشكل أساسي على نتائج التحصيل وتصنيف التلاميذ بحسب التنقيط إلى ناجحين أو راسبين.

5- أساليب التقويم التربوي

يمكن استخدام العديد من الأساليب في عملية التقويم التربوي ومن ضمنها: الملاحظة المقابلات، الاستمارات، الاختبارات، لكن من بين الأساليب الأكثر استعمالا من طرف المدرسين لتقويم حصيلة التعلم، نجد الاختبارات، ويمكن تقسيمها إلى أربعة أنواع وهي الاختبارات الشفوية-الاختبارات المقالية-الاختبارات الأدائية -الاختبارات الموضوعية وسيتم فيما يلي توضيح كل نوع من هذه الاختبارات:  
- الاختبارات الشفوية: وهي عبارة عن مجموعة من الأسئلة الشفوية التي يوجهها المدرس للتلميذ بهدف تقويم مكتسباته المعرفية. وقد استخدمت هذه الاختبارات في الأنظمة التعليمية القديمة والجديدة معا
- الاختبارات المقالية: وتسمى أيضا بالاختبارات الإنشائية، وتستعمل بشكل مكثف في مختلف المستويات الدراسية من أجل تقويم قدرات التلاميذ على مهارات التذكر والتعبير والربط   والتنظيم والتحليل والتركيب والإبداع...وغيرها من المهارات.
- اختبارات الأداء: تهتم اختبارات الأداء بقياس قدرة المتعلم على الأداء العملي لمجموعة من المهام المحددة.
- الاختبارات الموضوعية: إن إضفاء صبغة الموضوعية على هذا النوع من الاختبارات يأتي من عدم تأثرها بالعوامل الذاتية للمدرسين خلال عملية التصحيح، بالإضافة إلى طبيعة الظروف المحيطة بإنجازات التلاميذ. كما أن هذه الاختبارات تعتبر موضوعية لإحاطتها بمكونات المقرر الدراسي، مما يجعلها تتميز بمصداقية وثبات أكبر.

6- التقويم والدعم الدراسي

      يعتبر الدعم الدراسي استمرارية لعملية التقويم. فمن خلاله يمكن تصحيح التعلمات وتدارك الأخطاء في العملية التعليمية.  
وكلمة الدعم في اللغة مشتقة من فعل دعم أي قوى، وأعان وأسند بشيء معين. أما من الناحية الاصطلاحية فإن الدعم الدراسي هو نشاط تربوي متضمن في العملية التعليمية التعلمية، يهدف بشكل أساسي إلى تعويض الثغرات المتبقية لدى المتعلمين، وسد النقص الحاصل لديهم في مادة من المواد. ولا يمكن الوقوف على مواطن الضعف لدى المتعلمين إلا من خلال المعطيات التي تقدمها نتائج التقويم.
وتتجلى أهمية الدعم في كونه أداة فعالة لتجويد العملية التعليمية التعلمية من خلال تحديد عناصر القوة لتعزيزها وعناصر الضعف لتصحيحها. فبدون المعطيات التي يمدنا بها التقويم لا يمكن القيام بعملية الدعم. وبدون دعم لا يمكن الحديث عن فعالية التقويم. ومن ثمة يمكن القول بأن العلاقة التي تربط بين التقويم والدعم الدراسي هي علاقة تكامل وظيفي.

المراجع

  • أحمد أوزي (2015) التعليم والتعلم الفعال. منشورات مجلة علوم التربية. العدد 39 
  • كريمة حليم (2015) المدخل لعلوم التربية. 
  • صلاح الدين علام (2002) القياس والتقويم التربوي والنفسي. دار الفكر العربي القاهرة. 

 

  • Abernot, Y. (1988). Les méthodes d’évaluation scolaire. Paris : Bordas
  • De Landsheere, G. (1992). Evaluation continue et examens. Précis de docimologie. Bruxelles : Edition Labor 
  • Dubois, C.-A., Champagne, F., & Bilodeau, H. (2011). Historique de l’évaluation. In A. Brousselle (Éd.), L’évaluation : concepts et méthodes (2e édition, p. 27‑48). Montréal : Les Presses de l’Université de Montréal
  • Durand, M.-J., & Chouinard, R. (2012). L’évaluation des apprentissages de la planification de la démarche à la communication des résultats. Montréal : Marcel Didier
  • Dylan, W. (2010). Le rôle de l’évaluation formative dans les environnements d’apprentissage efficaces. In H. Dumont, D. Istance, & F. Benavides (Éd.), La recherche et l’innovation dans l’enseignement : Comment apprend-on ? : La recherche au service de la pratique (pp. 143-169). Paris: OECD
  • Laurier, M., Morissette, D., & Tousignant, R. (2005). Les principes de la mesure et de l’évaluation des apprentissages. Montréal : G. Morin
  • Louis, R. (2004). L’évaluation des apprentissages en classe : théorie et pratique. Montréal (Québec): Beauchemin
  • Mager, R.F. (1986). Comment mesurer les résultats de l’enseignement. Paris : Bordas
    Meyer, J-C. et Phélut, J-L. (1988). Quelle évaluation pour quel savoir-lire au collège ? In l’évaluation en question. (Collectif). Paris : E.S.F. Editeur
  • Piéron, H. (1969) Examens et docimologie. . Paris : Puf
  • Popham, W. J. (2014). Classroom assessment: what teachers need to know (Seventh edition). Boston : Pearson
  • Tardif, J. (2006). L’évaluation des compétences : documenter le parcours de développement. Montréal : Chenelière Éducation
     

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

سوسيولوجيا المدرسة

مقاربات في سوسيولوجيا التربية

مقاربات في التدريس - المقاربة بالأهداف التربوية