مقاربات في التدريس - المقاربة بالكفايات

ظهرت المقاربة بالكفايات نتيجة للنقص الحاصل في المقاربة بالأهداف التربوية والرغبة الأكيدة للعمل على سد الثغرات المتبقية ومن ضمنها ما يلي:

  • الاهتمام بسياقات التعلم والتفاعلات التي تتم داخل العلبة السوداء أي "ذهن المتعلم" وهو ما أهملته النظرية السلوكية التي تؤطر بيداغوجيا الأهداف.
  • مراعاة الفروق الفردية في التعلم والاختلاف الموجود في الاستراتيجيات التي يستخدمها المتعلمون، وكذا الاختلاف في أساليب التعلم بين التلاميذ.
  • تمكين المتعلمين من مواجهة الوضعيات والمشكلات المختلفة التي يفرضها المحيط، وذلك في إطار شمولي يستنفر جميع جوانب شخصية المتعلم الحسية والحركية والعقلية والوجدانية.
  • تمكين المتعلمين من اكتساب القيم والمعارف والمهارات التي تؤهلهم للاندماج في الحياة العملية ومواصلة التعلم.
  • تمكين المتعلمين من اكتساب مناهج التفكير والتواصل الفعال، مما يجعلهم قادرين على التطور والاستمرارية في التعلم مدى الحياة، وذلك بتلاؤم تام مع البيئة المحلية والعالمية.

1- مفهوم الكفاية

ظهر مفهوم الكفاية في مجال الشركات والإدارة والمقاولات والمصانع وتدبير الموارد البشرية والتشغيل. وقد تم نقل مفهوم الكفاية إلى المجال التربوي باعتباره بناء مركبا يفترض الاهتمام بكل جوانب شخصية المتعلم العقلية والوجدانية والحسية الحركية.
يعرف فولكيي  P. Foulquié الكفاية بأنها القدرة (سواء المهنية أو القانونية) المكتسبة للقيام ببعض المهام والوظائف والأعمال.
ويعرفها بيير جيلي P. Gillet بأنها "نسق خاص من المعارف والمفاهيم الذهنية والمهارية التي تنتظم في خطاطات إجرائية، تمكن في إطار فئة من الوضعيات من التعرف على المهمة الإشكالية وحلها بنشاط وفعالية.
ويعرف فيليب بيرنو Perrenoud الكفاية بأنها القدرة على التصرف بفعالية في نمط معين من الوضعيات تستند إلى المعارف لكنها لا تختزل فيها. فلمواجهة وضعية ما يجب استخدام موارد متكاملة ومتعددة، ومنها المعارف.
ويعرف محمد الدريج الكفاية بأنها مجموعة من القدرات المكتسبة التي تسمح بالسلوك والعمل في سياق معين. وتتضمن معارف ومهارات واتجاهات مندمجة بشكل مركب، حيث يقوم الفرد الذي اكتسبها بإثارتها وتجنيدها وتوظيفها قصد مواجهة مشكلة ما وحلها في وضعية محددة.
والكفاية أيضا هي القدرة على تحديد المشكلة المطروحة ومعرفة نوعيتها واستحضار الموارد الضرورية لحلها في إطار وضعية معينة، مع إمكانية توظيفها واستثمارها في مواجهة وضعيات ومشكلات أخرى.

من خلال هذه التعاريف يمكن القول بأن كفاية المتعلم تتجلى في حسن التصرف والتدبير حينما يكون في مواجهة وضعية مشكلة، حيث يختار من الوسائل والمعارف والأدوات التي تشكل موارد ما يساعده على حل المشكلة. وعندها تتحول المعارف وكل الرساميل التي اكتسبها المتعلم إلى أدوات يحركها بطريقته الخاصة للبحث عن الحلول الممكنة للمشكلة وتحقيق الهدف.

 2-خصائص الكفايات

من الخصائص المميزة للكفايات ما يلي:

  • التجريد: أي أن الكفاية مفهوم مجرد وهي أمر داخلي يتم داخل ذهن الانسان ولا يمكن التعرف عليها إلا من خلال مؤشرات وهي إنجازات الفرد. أي: حل عدد من الوضعيات المشكلة التي تكشف عن مدى تمكن المتعلم من الكفاية المستهدفة.
  • القصدية: بمعنى أن الكفاية تتجه نحو غايات وتحقيق أهداف وتتضمن معارف اجرائية ووظيفية لأجل العمل والتطبيق.
  • الشمولية: وتتجلى هذه الخاصية في كونها "اي الكفاية" تكون مندمجة اي انها تتطلب مكتسبات وتعلمات في المجالات المعرفية والوجدانية والحسية والحركية استعدادا للتطبيق حسب الوضعيات. كما أنها ترتبط بشبكة من الوضعيات التي يمكن من خلالها تحريك المعارف والخبرات.
  • القابلية للتقويم: أي أنه من الممكن قياس درجة تحقق المهمة وكذا النتيجة المنتظرة إلا أن ذلك يظل مرتبطا بوضعية نحكم من خلالها على كفاية الشخص.

وعموما فالكفاية تشكل محطة نهائية لسلك دراسي أو مرحلة تكوين، كما أن اكتسابها لا يتم دفعة واحدة بل يمتد عبر سنوات التكوين إلى الحياة العامة.

3- أنواع الكفايات

يمكن الحديث عن تصنيفات مختلفة للكفايات، ومن أكثرها تداولا بين الباحثين في المجال التربوي نجد التصنيف الذي يقسم الكفايات إلى قسمين هما:
-الكفايات النوعية: وهي الكفايات المرتبطة بمادة دراسية معينة أو بمجال مهني معين، لذلك فهي أقل شمولية من الكفايات الممتدة. وهناك بعض الأمثلة المرتبطة بتخصصات معينة وهي كالتالي:

  • في مادة الفلسفة مثلا: أن يكون التلميذ قادرا على تحليل نص لمعالجة مفهوم فلسفي ومقارنته لدى مختلف الفلاسفة المدرجين في المقرر الدراسي.
  • في مادة الرياضيات مثلا: أن يتمكن التلميذ من امتلاك التقنيات اللازمة لحل المسائل الهندسية أو القيام بعمليات جبرية متقدمة أو قراءة الرسوم البيانية.  
  • في مادة الاجتماعيات: أن يكون التلميذ قادرا على طرح السؤال والتعليق على الأحداث الجارية إقليميا ودوليا. أو أن يكون التلميذ قادرا على انتقاد خطة تنموية من حيث آثارها الاجتماعية.
  • في مادة الفيزياء: "أن يكون التلميذ قادرا على إنجاز قياسات دقيقة أو اتباع المنهج العلمي الفيزيائي في وضعية جديدة."

ومن الملاحظات التي يمكن تسجيلها فيما يتعلق بالأمثلة السابقة، أن هناك بعض الصياغات تقترب من التصور السلوكي على الأقل في الظاهر. والواقع أن تلك السلوكات ليست سوى إنجازات يكون الطالب قادرا على القيام بها وتؤشر على حدوث الكفاية لديه. في حين تقترب أمثلة أخرى من التصور المعرفي الذي يجعل من الكفايات قدرات مجردة إلى حد ما. والحقيقة أن هذا التأرجح في صياغة الكفايات يعكس إلى حد ما التأرجح الملاحظ في النظام التعليمي ككل بين ما هو قابل للملاحظة والقياس، وبين ما هو تعبير عن حالات وجدانية أو عقلية مجردة.
- الكفايات الممتدة: وهي كفايات عامة، وتسمى أيضا كفايات قصوى أو كفايات ختامية، لأن توظيفها يمتد إلى مجالات متعددة. وهي لا ترتبط بمجال محدد أو مادة دراسية معينة، ويتميز هذا النوع من الكفايات بالغنى حيث تتداخل فيه مجالات متنوعة، لذلك يتطلب اكتسابها زمنا أطول.
من أمثلة الكفايات الممتدة ما يلي:

  • امتلاك آليات التفكير العلمي.
  • امتلاك منهجية حل الوضعيات مشكلات
  • تنمية القدرات التواصلية.

والملاحظ أن هذا النوع من الكفايات يدخل ضمن جميع التخصصات ولا يقتصر على مجال محدد. ويشترط في هذا النوع من الكفايات تكوينا مستمرا طيلة الحياة الدراسية للمتعلم. وانطلاقا من المراجعات التي قام بها المتدخلون في مناهج التربية والتكوين بالمدرسة المغربية، تم اعتماد مجموعة من الاختيارات في مجال الكفايات، والتي أقرها الميثاق الوطني للتربية والتكوين، باعتبارها تستجيب لمتطلبات التنمية الذاتية والاجتماعية والاقتصادية بالمغرب.

4- الكفايات المعتمدة بالمدرسة المغربية

أشرنا سابقا أن هناك مجموعة من الكفايات التي اعتمدتها المدرسة المغربية وتتجلى في:
-    الكفايات الاستراتيجية  
-    الكفايات التواصلية
-    الكفايات المنهجية
-    الكفايات الثقافية
-    الكفايات التكنولوجية
وسيتم فيما يلي شرح كل كفاية على حدة:
- الكفايات الاستراتيجية: وتستهدف تنمية مجموعة من القدرات لدى المتعلمين مثل: معرفة الذات والتعبير عنها. التموقع في الزمان والمكان وبالنسبة للمؤسسات المجتمعية مثل الأسرة والمدرسة والمجتمع عموما والتكيف معها ومع البيئة المحيطة بصفة عامة، وكذلك تعديل الاتجاهات والسلوكات الفردية وفق ما يفرضه تطور المجتمع والمعارف والعقليات.
- الكفايات التواصلية: وتؤكد على ضرورة إتقان اللغة العربية والانفتاح على الأمازيغية والتمكن من اللغات الأجنبية والتمكن من مختلف أنواع التواصل داخل المؤسسة التعليمية وخارجها، وفي مختلف مجالات تعلم المواد الدراسية. -التمكن من مختلف أنواع الخطاب (الأدبي والعلمي والفني... المتداولة في المؤسسة التعليمية وفي محيط المجتمع والبيئة.
- الكفايات المنهجية: وتستهدف تمكين المتعلم من منهجية التفكير وتطوير مدارجه العقلية. واكتساب المتعلم منهجية العمل في الفصل وخارجه، اكتساب المتعلم منهجية تنظيم ذاته ووقته وتدبير تكوينه الذاتي ومشاريعه الشخصية.
- الكفايات الثقافية: وتستهدف تنمية الرصيد الثقافي للمتعلم، وتوسيع نظرة المتعلم للعالم والحضارة البشرية، وكذا ترسيخ هوية المتعلم كمواطن وكإنسان منسجم مع ذاته ومع بيئته ومع العالم.
- الكفايات التكنولوجية: وتركز على القدرة على الإبداع والإنتاج التقني، والقدرة على التحليل والتقدير والقياس، والتمكن من تقنيات مراقبة الجودة والتقنيات المرتبطة بالتوقعات. هذا بالإضافة إلى التمكن من وسائل العمل اللازمة لتطوير الانتاجات وتكييفها مع الاحتياجات الجديدة وباقي المستجدات. وكذلك استدماج أخلاقيات المهن والحرف والأخلاقيات المرتبطة بالتطور العلمي والتكنولوجي، بارتباط مع منظومة القيم الدينية والحضارية وقيم المواطنة وقيم حقوق الإنسان ومبادئها الكونية.  
والجذير بالذكر أن هذه الكفايات الخمسة لها طابع شمولي في المنهاج التربوي المغربي. ويمكن أن تصبح خاصة حينما ترتبط بمجال محدد فتأخذ لون ومضامين التخصص الذي تنتمي إليه. حيث نجد نفس الكفايات في التاريخ والجغرافيا والفلسفة والرياضيات والفيزياء والعلوم الطبيعية...وغيرها، مع تخصيص المضامين، وتكييفها مع طبيعة كل مادة من مواد التدريس.

5- التقويم بمقاربة الكفايات

يتمحور التقويم بمقاربة الكفايات حول سيرورات بناء التعلم في إطار وضعيات محددة ومناسبة لمعرفة مدى قدرة المتعلم على تعبئة الموارد وتحويلها وإدماجها واستخدامها في حل المشكلات التي تواجهه.
وفيما يتعلق بأنماط تقويم الكفايات يمكن تحديدها حسب Aubertو Gilbert كما يلي:

  • النمط الأول: يتعلق بمجال تصديق وتزكية الشهادات والألقاب العلمية المحصلة في إطار مسارات دراسية أو تكوينات أساسية أو تدريبات مهنية أو إنجازات على مستوى الابتكار والبحث العلميين.
  • النمط الثاني: يرتبط باستكشاف جوانب شخصية الفرد وكفاياته الشخصية والمدرسية والمهنية من لدن عالم نفس مستشار في التقويم، له خبرة في التوجيه التربوي والاختيار المهني والتدبير البشري.
  • النمط الثالث: يرتبط بالتقويم الذاتي Auto-valuation الذي يجريه الفرد على نفسه بهدف تقويمها.

والملاحظ أن هذه الأنماط الثلاثة تستجيب بشكل أساسي للجاجات التربوية والسيكولوجية في نفس الوقت. لكن لا ينبغي أن يفهم من ذلك كله أن الممارسة التربوية لا تستفيد من النمطين الثاني والثالث للتقويم، وأنهما حكر على المجال السيكولوجي دون غيره من المجالات، بل على العكس من ذلك، فقد شكلت السيكولوجيا على الدوام إطارا نظريا لتوجيه التطبيقات التربوية وإغنائها من خلال استثمارها لنتائج الأبحاث في علم النفس، مما أعطى دفعة لتطوير مجال التربية والتعليم.

المراجع

  • أحمد أوزي (2017) بيداغوجيا فعالة ومتجددة. كفايات التعليم والتعلم للقرن الحادي والعشرين. منشورات مجلة علوم التربية. الطبعة الأولى.
  • فيليب بيرنو (2004) بناء الكفايات انطلاقا من المدرسة. ترجمة لحسن بوتكلاي. منشورات عالم التربية. مطبعة النجاح الجديدة. الدار البيضاء.
  • كريمة حليم (2015) المدخل لعلوم التربية. الطبعة الأولى. آنفو-برانت. فاس.
  • جميل حمداوي وعبد الله حرش (2005) الكفايات والجودة التربوية، مطبعة المقدم، الناظور، المغرب.
  • محمد الدريج (2003) الكفايات في التعليم.  منشورات سلسلة المعرفة للجميع. الرباط
  • المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي. من أجل مدرسة الإنصاف والجودة والارتقاء. رؤية استراتيجية للإصلاح (2015-2030).
  • Bertrand Yves. (2003). Théories contemporaines de l’éducation. Lyon: Chronique sociale
  • Leplat Jacques. (1991). Compétence et ergonomie. In R. Amalberti, M. de Montmollin et J. Theureau (Eds.), Modèles en analyse du travail (pp. 263-278). Liège : Mardaga
  • Jonnaert Philippe. (2009). Compétences et socioconstructivisme : Un cadre théorique. Armando Editore
  • Roegiers Xavier. (2006). L’APC qu’est-ce que c’est ? : Approche par les compétences et pédagogie de l’intégration expliquées aux enseignants. EDICEF
  • Scallon Gérard. (2012). L’évaluation des apprentissages dans une approche par compétences. Bruxelles : De Boeck Université
  • Tardif Jacques. (2006). L’évaluation des compétences : documenter le parcours de développement. Montréal : Chenelière Éducation

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

سوسيولوجيا المدرسة

مقاربات في سوسيولوجيا التربية

مقاربات في التدريس - المقاربة بالأهداف التربوية