نظريات التعلم - النظرية السوسيوبنائية والنظرية المعرفية
شكلت نظريات التعلم الإطار العام الذي يشمل الكثير من الحقائق والقوانين التي تتصل بتفسير ظاهرة التعلم سواء عند الإنسان أو الحيوان. إذ نجد الكثير من الباحثين الذين اهتموا برصد هذه الظاهرة من أمثال ثورندايك، بافلوف، سكينر، كوفكا، كوهلر، بياجي، وبرونر...وغيرهم.
لم يختلف العلماء على مركزية موضوع التعلم وأهميته في حياة الإنسان باعتباره أقدر الكائنات الحية على التعلم، لكنهم قدموا تفسيرات مختلفة ومتنوعة لهذه الظاهرة والتي ساهمت في إغناء الممارسة التربوية. ومن أبرز النظريات المرتبطة بهذا المجال نجد:
- النظرية السلوكية Béhaviorisme
- النظرية الجشطالتية Gestalt أو سيكولوجية الشكل Psychologie de la forme
- النظرية البنائية Constructivisme
- النظرية السوسيوبنائية Socioconstructivisme
- النظرية المعرفية Cognitivisme
- نظرية التعلم الاجتماعي L’apprentissage social
النظرية السوسيوبنائية
يعتبر فيكوتسكيLev Vygotsky من أبرز رواد النظرية السوسيوبنائية حيث يذهب إلى أن التعلم سيرورة اجتماعية يتحدد بالسياق الثقافي والاجتماعي. ويرى فيكوتسكي أن التعلم سابق عن النمو السيكولوجي ومؤثر فيه، فهم يتم من خلال التفاعلات الاجتماعية مع الراشد أو في إطار العمل المشترك بالتعاون مع الأقران أو النظراء.
يميز فيكوتسكي بين مستويين للنمو هما:
- المستوى الحالي Actuel للنمو الذي وصل إليه الطفل ويتجلى في قدرته على حل المشكلات بمفرده.
- المستوى الكامن Potentiel للنمو والذي يظهر من خلال قدرة الطفل على حل المشاكل بمساعدة الراشد أو الآخرين.
- تسمى المسافة التي تفصل بين مستوى النمو الحالي ومستوى النمو الكامن حسب فيكوتسكي «المنطقة القريبة للنمو Zone proximale de développement وتعتبر النظرية السوسيوبنائية أن المعارف تبنى اجتماعيا من طرف المتعلم وذلك في سياق قائم على التفاوض والتفاعل.
ترى هذه النظرية أن المتعلم يطور كفاياته المعرفية من خلال التفاعل مع الجماعة أو الأقران. يقوم التعلم حسب هذه النظرية على وجود صراع معرفي. فعندما يكون المتعلم في مواجهة وضعية مشكلة يحدث صراع يتطلب حله أو تجاوزه في تقاسمه والتفاوض مع متعلمين آخرين، فيتطور الصراع المعرفي إلى صراع سوسيو-معرفي يساعد على تطوير التعلم.
التعلم إذن يؤدي إلى النمو وذلك بتنشيط وتحريك مجموعة من السيرورات المعرفية التي يصل إليها الطفل في إطار التفاعلات مع الراشد، أو في إطار العمل المشترك بالتعاون مع الأقران.
تعتبر هذه النظرية إطارا مرجعيا لمجموعة من التطبيقات التربوية مثل: التعليم التشاركي، والمرافقة المعرفية، وطريقة حل المشكلات، والتدريس بالمجموعات...وغيرها.
النظرية المعرفية
ظهرت السيكولوجيا المعرفية في أواخر الستينيات من القرن العشرين، وبالضبط سنة 1956 مع أعمال كل من برونرBruner وميلر Miller من جامعة هارفارد. وقد أعطت هذه النظرية أهمية قصوى للتمثلات المركزية les représentation centrales وعملت على تفسير آليات الاشتغال الذهني من أجل فهم وتحليل ما يجري في العلبة السوداء. La boite noire وقد بين ميلرMiller أن هناك حدودا للذهن الإنساني في معالجته للمعلومات. إذ يرى على سبيل المثال أنه من الصعب أن يتذكر الإنسان سلسلة تتضمن أكثر من سبعة أرقام ولكي يتجاوز الإنسان الصعوبات الناتجة عن حدوده الذهنية ذهب إلى اختراع حلول أخرى مثل تجميع الأرقام في كتل وأزواج، وقد ركز ميلر على قدرة الذهن على المعالجة المنطقية التي لا تقف عند مجرد تسجيل المعلومات في الذاكرة كما هو الشأن عند السلوكية. أما برونر فقد قام بدراسة سيرورة التفيئة Catégorisation حيث طلب من التلاميذ ترتيب بطاقات تتعلق بألوان وأشكال مختلفة فوجد بأن التلاميذ لا يستعملون استراتيجيات ذهنية واحدة، مما أدى إلى تغيير النظرة إلى نشاط الذهن الإنساني باعتباره نشاطا معرفيا ديناميكيا وليس سلوكا نمطيا.
جورج أرميتاج ميلر
والحقيقة أن هناك عوامل كثيرة ومتنوعة ساهمت في ولادة السيكولوجيا المعرفية منها:
- ظروف الحرب العالمية الثانية والرغبة في إعادة البناء والابتكار لتعوض الخسائر
- تجاوز نقط الضعف التي عرفتها النظريات السابقة في تفسير النشاط الإنساني، سواء عند السلوكية أو الجشطالتية أو حتى البنائية، إضافة إلى انفتاح علم النفس على مجموعة من العلوم الأخرى التي تظافرت وتكاملت لفهم وتفسير الظاهرة الإنسانية.
- اتفاق مجموعة من العلماء بالولايات المتحدة الأمريكية حول مشروع تصميم ذكاء اصطناعي intelligence artificielle يحاكي الذكاء الإنساني وقد جمع هذا المشروع مجموعة من التخصصات التي تسمى اليوم بالعلوم المعرفية مثل: السيكولوجيا والهندسة والرياضيات وفيزيولوجيا الأعصاب واللسانيات والفلسفة وعلم الاجتماع والاقتصاد.... وغيرها من العلوم المعرفية.
ومن الركائز التي تعتمدها السيكولوجيا المعرفية الحالية في تفسيرها لميكانيزمات الاشتغال الذهني نظرية معالجة المعلومات الناتجة عن علم الحاسوب وهي النظرية التي تعتبر الإنسان شبيها بالحاسوب لأنه يستقبل المعلومات من المحيط ثم يخزنها في الذاكرة ويعالجها ويعيد بناءها ويستثمرها في حل المشكلات.
ركزت السيكولوجيا المعرفية على التمثلات وعملت على تفسير آليات الاشتغال الذهني حيث أصبح التعلم يسمى تغيير المعارف عوض تغيير السلوك. فالتعلم حسب السيكولوجيا المعرفية نتاج للنشاط الفعال الذي يقوم به الفرد لبناء وتطوير معارفه وفق الإمكانات التي يوفرها له المحيط وكذلك الاستعدادات الخاصة والقدرات التي يمتلكها.
النمو والتعلم حسب هذا المنظور المعرفي سيرورتان داخليتان تحدثان على مستوى ذهن الفرد وتمثلاته ولا يمكن الفصل بينهما.
تعتبر السيكولوجيا المعرفية التعلم نشاطا معرفيا ديناميكيا يعتمد على استراتيجيات مختلفة وليس مجرد سلوك نمطي. لذلك اتجهت إلى تفسير ظاهرة التعلم انطلاقا من فهم وتحليل ما يجري في العلبة السوداء، وليس فقط ملاحظة السلوك الظاهر.
لكن هذا التصور الجديد في تفسير النشاط المعرفي أو ما يقع في العلبة السوداء لم يسلم من انتقادات كثيرة وجهت له من طرف النظريات الأخرى، خاصة سكينر الذي انتقد الطرح المعرفي واعتبره نوعا من النكوص أو عودة إلى المنهج الاستبطاني القديم، إضافة إلى ذلك انتقد سكينر النماذج الافتراضية التي تعتمدها هذه النظرية المعرفية ليقترح تطبيق المنهج الاستقرائي في تفسير السلوك اعتمادا على التحليل التجريبي. كما وجهت إليها انتقادات أخرى من داخل السيكولوجيا المعرفية على يد برونر لكونها أهملت البعد الاجتماعي والثقافي للاشتغال المعرفي. ومن بين التطبيقات التربوية لهذه النظرية تأطيرها لبيداغوجيا الكفايات والإدماج، البيداغوجيا الفارقية واستراتيجيات التعلم وتقنيات العصف الذهني وهي طريقة جماعية لحل المشكلات.
المراجع
- أحمد أوزي (2015) التعليم والتعلم الفعال. منشورات مجلة علوم التربية العدد 39
- سعيد بحيير (1996) علم النفس وقضايا الإنسان. الجزء الأول. كلية الآداب والعلوم الإنسانية. ظهر المهراز. فاس.
- سعيد بحيير (1996) علم النفس وقضايا الإنسان. كلية الآداب والعلوم الإنسانية فاس.
- سعيد بحيير(2005) الصحة النفسية واضطرابات الشخصية. سلسلة الاستشارة السيكولوجية والمساعدة التربوية. الكتاب الثاني. كلية الآداب والعلوم الإنسانية. جامعة سيدي محمد بن عبد الله. فاس
- عبد الرحمن محمد عيسوي (1984) علم النفس الفسيولوجي دراسة في تفسير السلوك الإنساني. دار النهضة العربية للطباعة والنشر. بيروت.
- عبد الكريم غريب وآخرون (1992) في طرق وتقنيات التعليم، من أسس المعرفة إلى أساليب تدريسها. سلسلة علوم التربية العدد 7
- عطوف محمود ياسين (1981). مدخل في علم النفس الاجتماعي. دار النهار للنشر. بيروت.
- الغالي أحرشاو(2008) السيكولوجيا الحديثة من المقاربة السلوكية إلى المقاربة المعرفية. سيكولوجية الطفل. مقاربات معرفية. منشورات مجلة علوم التربية.
- الغالي أحرشاو. أحمد الزاهر(2000) التمدرس واكتساب المعارف عند الطفل. مجلة العلوم التربوية والنفسية. العدد الأول. كلية التربية. جامعة البحرين.
- كريمة حليم (2000)"تمثلات النساء المتعلمات لتحرر المرأة". رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في علم النفس، تحت إشراف الدكتور سعيد بحيير. جامعة سيدي محمد بن عبد الله ظهر المهراز. فاس.
- Etienne Bourgeois (2008) les Théories de l’apprentissage. Un peu d’histoire. Apprendre et faire apprendre. Presses universitaire de France. 4em tirage
- Le Ny J. F. (1980) Le conditionnement et L’apprentissage. Puf. Paris
- Lieury, A. Fenouillet, F. (1997). Motivation et réussite scolaire. Dunod. Paris
- Patrick Lemaire (2005) La psychologie cognitive. Collection ouvertures psychologiques. Ed De Boeck
- Piaget J (1993). La naissance de l’intelligence chez l’enfant. Neuchâtel. Delachaux et Niestlé
- Pierre-Henri François et André Botteman (2002). Théorie sociale cognitive de Bandura et bilan de compétences : Applications, recherches et perspectives critiques. Carriérologie. Volume 8, Numéro 3 et 4. pp.519-543
- Linton R. (1980) Les fondements culturels de la personnalité. Dunod. Bordas. Paris
- Skinner B. F. (1969). La révolution scientifique de l’enseignement. Dessart et Mardagat. Bruxelles
- Yves Bertrand (2003).Théories contemporaines de l’éducation. Chronique Sociale. Lyon
تعليقات
إرسال تعليق