دينامية الجماعة


 ظهر مفهوم دينامية الجماعة مع عالم النفس الألماني لوين كورت Lewin Kurt (1947) لوصف خصائص الجماعة وما ينتج عنها من ظواهر تفاعلية.

من ضمن العوامل التي أدت إلى الاهتمام بموضوع دينامية الجماعة ما يلي:
- انفتاح المجالات المعرفية على بعضها البعض والاستفادة المتبادلة بينها.
- التقدم الذي أحرزته العلوم الإنسانية نتيجة التقاء علم النفس وعلم الاجتماع الذي أعطى مولودا جديدا يسمى علم النفس الاجتماعي.
- ظروف الحرب العالمية التي دخلتها الولايات المتحدة الأمريكية والبحث عن تقنيات جديدة للتكوين العسكري وتحديد عوامل التماسك داخل كل وحدة عسكرية.
- الأزمة الاقتصادية الناتجة عن الحرب العالمية والرغبة في تعويض الخسائر والرفع من مستوى الإنتاج
- البحث عن حلول لمشاكل إدماج الأقليات في المجتمع الأمريكي.

1. تعريف دينامية الجماعة

يحتوي هذا المفهوم على كلمتين هما: دينامية وتعني حسب المعجم الفلسفي لجميل صليبا(1982) مذهب فلسفي مقابل للميكانيكية أو الآلية، ويطلق على المذاهب الفلسفية التي ترى أن الحركة أو الصيرورة أولية، وأن حقيقة المادة هي الحركة. ويطلق هربارت Herbart لفظ الديناميكا la dynamique على دراسة حالات الشعور من جهة اتصافها بالحركة والتبدل، ولفظ السطاتيكا statique على دراسة حالات الشعور من جهة اتصافها بالتوازن. ويطلق أغست كونت وسبينسر لفظ السكون الاجتماعي statique sociale على توازن الجماعات، ولفظ الحراك الاجتماعي Dynamique sociale على تقدم الجماعات وتطورها.
أما كلمة جماعة فتعني حسب نفس المعجم طائفة من الأفراد يجمعهم غرض واحد.  ويطلق لفظ الجماعة على الزمرة، أو الفرقة، أو الفوج Groupe أي جماعات العمل، ونعبر عن ذلك في علم النفس التربوي بزمر التعلم، وتتألف من عدد محدود من الأفراد يجمعهم المربي ليكسب كلا منهم ما ينبغي له أن يدخله على سلوكه من التغير حتى يصبح متكاملا مع غيره من أفراد جماعته. ويطلق اصطلاح جماعات الضغط أو فرق الضغط (groupes de pression) على الجماعات التي تنشأ لغرض الدفاع عن مصالح أفرادها، كالنقابات التي تعمل على تحقيق مطالبها بمختلف الوسائل التي تمكنها من التأثير في الرأي العام.
وهو ما يعني أن هناك أنواعا مختلفة من الجماعات تسودها أنماط تفاعلية كثيرة تتجه كل منها إلى تحقيق أهداف معينة. وبشكل عام يمكن تصنيف الجماعات إلى نوعين رئيسيين هما الجماعات الأولية: كالأسرة والعشيرة والأمة والجماعات الثانوية: كالمدرسة ومجموعة العمل والحزب والجمعية الثقافية وما إلى ذلك.
والجذير بالملاحظة أن الأواصر والعلاقات في النوع الأول من الجماعات قوية ودائمة، أما في الثانية فهي علاقات مؤقتة ونفعية تتغير بحسب المصالح. ويمكن أن تشكل هذه الجماعة أو تلك جماعة مرجعية بالنسبة للأفراد لتقييم السلوكيات الاجتماعية وتبني مواقف واتجاهات معينة. وتتجلى أهمية الجماعة في كونها تمثل الوحدة الرئيسية للمجتمع، حيث يستقي منها الأفراد اتجاهاتهم وسماتهم الشخصية وأساليب التنشئة الاجتماعية. فالإنسان بطبيعته كائن اجتماعي يحتاج دائما إلى الآخر لمشاركته والتعاون معه في مختلف مجالات الحياة.
 بناء على هذه التوضيحات الأولية لكلمة دينامية وكلمة جماعة يمكن تقديم بعض التعاريف التركيبية لمفهوم دينامية الجماعة وهي كالتالي:
 - تعريف موسوعة العالم الجديد (1975) EDMA  
تعني دينامية الجماعة تقنية سيكولوجية تهتم بدراسة أنماط السلوك المثارة داخل جماعة صغيرة من الأفراد المجتمعين بهدف التجربة التي يقوم بها عالم النفس أو الطبيب المعالج للدفع بأعضاء المجموعة إلى التعبير عن مشاكلهم ومكنوناتهم النفسية واقتراح تفسيرات سيكولوجية لذلك.  
- تعريف لوين كورت (1967) Lewin Kurt  
تعبر دينامية الجماعة عن تلك القوى النفسية والاجتماعية المتعددة والمحركة والفاعلة التي تكمن وراء سلوكيات الأفراد والجماعات حيث يمكن التعرف عليها، بل وقياسها في بعض الأحيان.
- تعريف عبد الرحمن محمد عيسوي (1974)  
يرى عبد الرحمن عيسوي أن هذا المفهوم يدل على معاني كثيرة منها: أنه التغيرات التي تحدث داخل الجماعات الاجتماعية، ويقصد بالدينامية هنا علاقة العلة والمعلول أو السببية. ومن معاني هذا الاصطلاح أيضا كيفية تكوين الجماعة وكيفية أدائها لوظائفها، كما يشير إلى دراسة الوسائل والإجراءات اللازمة لتغيير بناء أو تركيب الجماعة وسلوكها كجماعة وليس كأفراد.
- تعريف حامد عبد السلام زهران (1981)
يري حامد زهران في كتابه "علم النفس الاجتماعي" بأن دينامية الجماعة في جوهرها تعني دراسة التفاعل مضافا إليها عنصر التغيير.
 - تعريف أحمد عبد العزيز سلامة (1981)
تشير دينامية الجماعة إلى ذلك الفرع من العلوم الإنسانية الذي يهتم بالدراسة العلمية المنظمة للجماعة وتكوينها ونموها ونشاطها وإنتاجها والتفاعلات القائمة بين أفرادها بغية الوصول إلى القوانين العلمية لتنظيم هذه الجوانب تطبيقيا وعمليا، لتحسين مستوى الجماعة ورفاهية المجتمع.
وإذا تأملنا هذه التعاريف يمكن أن نستنتج بأن دينامية الجماعة تتميز بمجموعة من الخصائص أهمها: أنها تشكل بؤرة للتفاعلات التي تقوم على أساس التواصل بين أفراد المجموعة الواحدة أو المجموعات المختلفة، وما يترتب عن ذلك التواصل من تأثيرات متبادلة. كما أنها تفرز نوعيات مختلفة من القيادات وأنماط متنوعة من الانجذاب والتنافر أي أنها تشكل مجالا سوسيومتريا بامتياز. ومن خصائصها أيضا أنها تمكن من استثمار القدرات الكامنة لدى الأفراد وتفعيل كفاياتهم من خلال القيام بأدوار متكاملة بين أعضاء الجماعة. وبالتالي إظهار سلوكيات جديدة تساعد على تحسين الأداء والدفع إلى إثبات الذات من خلال الإنتاج والفعالية. من هنا نستخلص بأن دينامية الجماعة يمكن أن تشكل منهجا تربويا مشتركا بين الوسط العام والوسط المقاولاتي والوسط المدرسي، وهو ما يعطيها مشروعية قياس وضبط العلاقات التفاعلية وتحليلها وتفسيرها.  

2. مجالات استخدام دينامية الجماعة

تتعدد مجالات استخدام دينامية الجماعة لتسع مختلف الميادين التي تهتم بالعلاقات التفاعلية ومختلف الظواهر النفسية والاجتماعية التي تنتجها الجماعة من تواصل وتأثير وأدوار ومعايير اجتماعية وغيرها، كما أنها تهتم ببناء المهارات وتغيير الاتجاهات لدى أفراد الجماعة بهدف تحسين الأداء والرفع من المرد ودية. ومن ثمة يمكن القول بأن دينامية الجماعة تشكل نقطة تقاطع بين العديد من التخصصات مثل علم النفس الاجتماعي الذي يهتم بدراسة الوظائف النفسية والعلاقات الشخصية في تفاعلها ضمن إطار اجتماعي معين لرصد مدى تأثير الجماعة في سلوك الأفراد واتجاهاتهم. وكذلك علم النفس المرضي الذي يهدف إلى إعادة إدماج المرضى في علاقات إنسانية واجتماعية سوية، حيث يشكل العلاج بالدراما النفسية أو العلاج النفسي المؤسسي أحد الوسائل التي تعتمد على عمليات التفاعل بين المرضى والمؤسسات الاستشفائية من جهة، ومن جهة أخرى قيام المرضى بأدوار داخل الجماعة يعبرون من خلالها عن معاناتهم النفسية، مما يتيح للطبيب المعالج إمكانية تحليل الدور الذي يقوم به كل مريض وتشخيصه بهدف العلاج. ومن جهتها أيضا أثبتت الدراسات التي أجريت حول المؤسسات الصناعية على يد كل من إلتون مايوElton mayo وتايلورTaylor وفوست Faust أهمية العلاقات الإنسانية بين رب المصنع والعاملين به، أو بين العمال أنفسهم في تحديد حسن أو سوء التوافق المهني ودوره في التأثير على أداء العمال ومردود يتهم. لكن مجالات الاهتمام بدينامية الجماعة لا تقف عند هذه الحدود بل تتعداها إلى مجالات تربوية تطبيقية.

3-دينامية الجماعة والمجال التربوي التعليمي

 ليس مصادفة أن يبني كورت لوين(1944) Kurt Lewin باعتباره مؤسسا لمفهوم دينامية الجماعة نظريته حول الشخصية على نموذج بيداغوجية الجماعة وما يروج داخلها من أنماط التوافق الذي يحكم حقل العلاقات الإنسانية وبنيات الشخصية. وليس غريبا أيضا أن تكشف المراجعات التي عرفتها المؤسسة التربوية خلال السنوات الأخيرة عن أهمية دينامية الجماعة في الممارسة التربوية داخل الفصل الدراسي، نظرا لما تتضمنه من تفاعلات وأبعاد سيكولوجية وسوسيولوجية يمكن من خلالها فهم وتفسير مجموعة من السلوكيات الملاحظة لدى التلاميذ والمدرس من جهة، وإثارة وتعزيز أنماط سلوكية تساعد على تحسين الأداء من جهة أخرى.
فإذا انطلقنا من "جماعة القسم" كنموذج لدينامية الجماعة يمكن أن نصفها بأنها جماعة نظامية مؤسسية تتضمن مجموعة من الأفراد في حالة تفاعل. ومن خصائص جماعة القسم ما يلي:
- وجود شخص راشد هو المدرس.   
- علاقات منتظمة مع المجموعة المكونة من التلاميذ المراهقين أو الأطفال.  
- حضور إلزامي. 
- الاجتماع بهدف التكوين داخل المؤسسة.  
من خلال التحديد الذي قدمناه يمكن القول بأن جماعة القسم: أي مدرس ـ تلاميذ تشكل صورة مثلى لدينامية الجماعة، فمن خلالها يمكن رصد مختلف التفاعلات التي تحدث بين أطراف العملية التعليمية داخل الفصل الدراسي وما ينتج عنها من ظواهر نفسية واجتماعية متنوعة.

1.3- جماعة القسم والتواصل التربوي      

يعتبر التواصل التربوي مظهرا من مظاهر التفاعل الذي يحدث بين المدرس وتلاميذه داخل الفصل الدراسي، ويرمي بالأساس إلى التأثير في السلوك بهدف تعديله أو تغييره كما أنه يقوم على إرسال وتلقي المعلومات والأفكار بواسطة رموز مشتركة في الفهم بين أعضاء الجماعة. وهو ما يعني أن التواصل التربوي يتطلب مجموعة من الشروط الأساسية وهي كالتالي:
- ضرورة وجود طرفين، مرسل ومستقبل حتى يحدث التأثير؛  
- ضرورة فهم المستقبل لما يقصده المرسل؛ 
- غياب عوائق فيزيقية أو سيكولوجية تحول دون اتصال الأفراد فيما بينهم؛
- ضرورة تشجيع العمل الجيد كلما ظهر التأثير في السلوك، من أجل ضمان استمرارية التواصل. 
وإذا نظرنا إلى العملية التعليمية ضمن جماعة القسم نجدها في جوهرها عملية تواصلية بامتياز، نظرا لما تتقاسمه تلك الجماعة سواء على مستوى المعايير أو الأدوار أو العلاقة التربوية السائدة داخل جماعة القسم.

2.3- جماعة القسم والمعايير المؤسسية  

تخضع جماعة القسم لمجموعة من المعايير المؤسسية التي تلزم كل المنتمين إليها بالامتثال لها واحترامها. إذ أن هناك اتفاقا ضمنيا مشتركا بين أعضاء الجماعة على إلزامية تلك المعايير، ومن ثمة فهي تشكل عنصرا هاما للتواصل يتم وفقه الدخول في علاقات بيداغوجية محددة، فالمدرس في تعامله مع تلاميذه يسلك حسب منظومة من المعايير التي يتطلبها كل موقف تربوي أو تعليمي، كضبط الوقت وطريقة العمل وكيفية الدخول والجلوس في القسم، وكيفية التعامل بين الأستاذ والتلاميذ، وأنماط السلوك المرفوضة التي يجب التخلي عنها داخل الفصل الدراسي... إلى غير ذلك.
 وإذا كان التواصل عنصرا أساسيا يفرض نفسه في الفعل التعليمي سواء كان هذا الأخير يتضمن إكساب مهارات وتثبيتها لدى التلاميذ، أو نقل وتبليغ مجموعة من المعلومات والأفكار، فإن المعايير تبقى الإطار المرجعي المشترك الذي يؤطر التواصل بين أفراد الجماعة ويمكنهم من تقييم الأنماط السلوكية الصادرة عنها.

3.3 -جماعة القسم وتوزيع الأدوار  

تعتبر الأدوار بمثابة الجانب الدينامي لمكانة الفرد دخل الجماعة، وقد تكون إلزامية في مواقف واختيارية في مواقف أخرى. كما تتعدد الأدوار عند الفرد الواحد بحسب أوضاعه الاجتماعية. لكن ما ينبغي التأكيد عليه هو أن الأدوار تخضع هي الأخرى لمجموعة من المعايير وتطبع الفرد بسلوكيات خاصة.  فدور المدرس داخل الفصل يتطلب مهارات محددة ودور التلاميذ أيضا يستوجب أنماطا خاصة من السلوك. فإذا نظرنا إلى جماعة القسم باعتبارها تجمعا بشريا داخل مؤسسة تربوية نجد بأنها تمثل شبكة من الأدوار التي تتطلب التواصل المسبق بين أعضاء الجماعة لتوزيع الأدوار ومعرفة المهام المسندة لكل عضو أو جماعة داخل الفصل الدراسي. فحينما يتم تقسيم الأدوار داخل الجماعة بنوع من التراضي بين أعضائها يخضع كل فرد لتنشئة اجتماعية يتعلم من خلالها قيم التعاون والمشاركة، واحترام الآخر، والنظرة الموضوعية للقضايا الخاصة والعامة، والنقد الذاتي... مما يؤهله للتوافق الإيجابي مع الأوساط الاجتماعية التي يتفاعل معها.

4.3- جماعة القسم والعلاقة التربوية

تمثل العلاقة التربوية بين المدرس والتلاميذ جوهر العملية التعليمية التي يقوم على أساسها كل تواصل تربوي مهما كانت طبيعته. فهي كما يحددها بوستيك 1979 M.Bostic "مجموع العلاقات الاجتماعية التي تتكون بين المربي والأفراد الذين يربيهم للسعي نحو تحقيق الأهداف التربوية داخل بنية مؤسسية معينة، علاقات ذات خصائص معرفية وعاطفية محددة، تعيش باستمرار ولها تاريخ".
 والواضح من هذا التحديد أن العلاقة التربوية تتطلب دخول عدد من الأفراد في عملية تواصلية، ونخص بالتحديد هنا تلك العلاقة التربوية التفاعلية داخل جماعة القسم، ويمكن النظر إليها من زاويتين:
- علاقة المدرس بالتلاميذ
إن التعاقدات الضمنية والصريحة التي تتم بين المدرس والتلاميذ لها دور أساسي في تحديد العلاقة التربوية وطبيعة السلطة التي تمنح للمدرس داخل الفصل الدراسي. حيث يمكن أن نتحدث عن أنماط متعددة كالمدرس القائد والمدرس المستبد والمدرس المرشد والمدرس المتفهم والمدرس الصارم والمدرس اللامبالي... إلى غير ذلك من الأنماط.
كما أن تمثلات المدرس للتلاميذ يمكن أن تساهم بشكل كبير في تحديد مسار هذه العلاقة. فإذا كان المدرس ينظر إلى التلميذ باعتباره ذاتا سلبية لا تتجاوز مهمة استقبال المعارف، ويجعل من الامتثال والخضوع أساسا للاكتساب والتعلم فإن هذه النظرة لا ترقى إلى مستوى تطلعات التلميذ الذي يطمح إلى تحقيق مطالبه وحاجاته النفسية المتنوعة مثل الاهتمام والاحترام وتقدير الذات والاعتراف بمجهوداته المتواصلة للنجاح في عمله.
- علاقة التلميذ بالتلميذ 
إن انخراط التلميذ في العمل داخل جماعة القسم يتيح له فرص التواصل مع أقرانه واكتشافهم كأشخاص، فيتعرف على طباعهم وأخلاقهم وقدراتهم مما يدفعه إلى الاعتراف بالتنوع والاختلاف وبالتالي التعرف على العديد من الآراء والاتجاهات المختلفة. فمن خلال هذا العمل الجماعي يتمكن التلميذ من بناء علاقات أفقية تمكنه من اختيار أصدقاء جدد، يتبادل معهم الأفكار ويتقاسم معهم الأهداف المشتركة.10 وبذلك يكتسب التلميذ خبرات جديدة تساعده على الخروج من مركزية الذات والاعتراف بالآخر وبحقه في الاختلاف كما يتعلم احترام الآخر، والإنصات لآرائه، وتحمل المسؤولية مع أقرانه، فيكتسب من ثمة قيما ومعايير جماعية تمكنه من العيش داخل جماعات مختلفة.  

5.3- جماعة القسم وعملية التحفيز

تتم عملية التحفيز من خلال علاقة بين طرفين أو أكثر وتتطلب هذه العملية بداية القبول بالآخر والاقتناع بقدرته على التطور والثقة بإمكاناته. ولعل أول خطوة لبداية تحفيز جيد تقوم على بناء علاقات تربوية سليمة بين أقطاب جماعة القسم. فالمدرس من خلال اتجاهاته وسلوكياته التشجيعية أو الإنتقاصية نحو التلاميذ يساهم بشكل كبير في تعزيز هذه العلاقات إيجابا أو سلبا.
وإذا انطلقنا من التحفيز كشرط أساسي ضمن شروط التعلم الجيد يمكن تحديده بأنه مجموعة من القوى التي تفسر أنشطة الإنسان وتدفعه إلى الاشتغال مثل: الرغبة، الحاجة، الاهتمام، الإرادة، الهدف. كما يعرفه البعض بأنه مجموع القوى الشعورية واللاشعورية التي تحدد سلوك الإنسان.
ويمكن الحديث عن نوعين من التحفيز: التحفيز الخارجي Motivation extrinsèque وهو مرتبط بعوامل خارجية وقد يكون عبارة عن ثواب أو عقاب يتم بإحداهما إطلاق الفعل وتعزيزه لدى المتعلمين. التحفيز الداخلي Motivation intrinsèque ويجد هذا النوع من التحفيز مصدره في حاجات ورغبات المتعلمين للنجاح والتقدير الاجتماعي، الذي يتم تعزيزه باعترافات رمزية من المحيط الاجتماعي. وكيفما كانت طبيعة هذا التحفيز ومصدره (داخلي أو خارجي) فإنه يعكس حالة من الاهتمام الموجودة لدى المتعلمين، بحيث كلما ارتفعت درجة هذا الاهتمام ارتفع الإقبال على موضوع التعلم وكلما ارتبط هذا الموضوع ارتباطا قويا بحاجات المتعلمين كلما كان الاجتهاد في طلبه أكثر إلحاحا.
وإذا انطلقنا من المقاربة السلوكية في بعض جوانبها وهي مقاربة لها مشروعيتها في فهم وتفسير بعض سلوكيات التعلم لدى الإنسان، يمكن القول بأن جماعة القسم تلعب دورا حيويا في إثارة سلوك التلاميذ وتحفيزهم للتعلم. حيث أن كل سلوك صادر عن المدرس يشكل مثيرا لأفعال التلاميذ والعكس صحيح، وبالتالي فإن كل استجابة هي نتيجة تأثيرات متبادلة بين العناصر المكونة لجماعة القسم. ويمكن توضيح أهمية التحفيز داخل جماعة القسم من خلال جانبين على الأقل وهما: الجانب الوجداني والجانب المعرفي.
- الجانب الوجداني لعملية التحفيز
إذا انطلقنا من الرغبة الطبيعية لدى الإنسان في التواصل مع الآخرين فإننا نجدها تشكل دافعا أساسيا لانتمائه إلى الجماعة وامتثاله لمعاييرها خوفا من قلق العزلة. وإذا نظرنا إلى جماعة القسم بخصائصها التفاعلية فإننا نعتبرها مصدر إشباع للعديد من الحاجات الناتجة عن التواصل بين أفرادها، مثل الحاجة إلى الانتماء، الحاجة إلى الصراع والمنافسة، الحاجة إلى النشاط والعمل مع الآخر ومشاركته، الحاجة إلى التفوق وتقدير الذات، الحاجة إلى التحسن والنجاح في أداء الأعمال...إلى غير ذلك.
لكن السؤال الذي قد يطرح نفسه بإلحاح خاصة لدى المدرسين وباقي الوسطاء التربويين: ما هي الوسيلة لإشباع هذه الحاجات لدى جماعة القسم؟  وبالتالي كيف يمكن خلق الرغبة في التعلم لدى التلاميذ؟  
يشكل الاهتمام أساسا نفسيا فعالا لإثارة دافعية التعلم لدى التلاميذ، ففي بعض الأحيان لا نستطيع الوقوف على أهمية تدريس بعض المواد والأنشطة في حد ذاتها، لكنها تصبح ذات أهمية قصوى حينما تستجيب لحاجات التلاميذ. ولعل استثمار المدرس لاهتمامات التلاميذ في توجيه طاقاتهم النفسية نحو موضوع التعلم يشكل مدخلا إيجابيا في العملية التعليمية، ولكي تتأسس علاقات تربوية سليمة بين المدرس والتلاميذ من الضروري أن تراعى احتياجات هؤلاء وأن تكون العملية التربوية قادرة على إشباعها، ذلك أن المردودية ترتفع بقدر ما توفر الأنشطة التعليمية إشباعا لحاجات التلاميذ وتتوافق مع ميولاتهم واتجاهاتهم.  
- الجانب المعرفي لعملية التحفيز
إن الهدف الأساسي لكل تكوين تربوي ليس هو تحصيل المعارف بل اكتساب القدرة على تحصيل المعارف أو بمعنى أدق اكتساب القدرة على التعلم الذاتي.  فبالإضافة إلى تنمية المهارات التواصلية تعتبر جماعة القسم مصدر إثارة لقدرات التلاميذ وتنمية مهارات جديدة للاستثمار الذاتي. فتواجد التلميذ في جو من النظام والمسؤولية داخل جماعة القسم يدفع إلى الرغبة في الإنتاج والابتكار لإثبات الذات. وهو ما يعني أن هناك تأثيرا إيجابيا على مردودية التعلم داخل الجماعة. حيث تصبح المكتسبات المحصل عليها في هذه الحالة أرقى وأوفر من غيرها. فإذا استثنينا بعض المشاكل التنظيمية التي قد تحدث داخل جماعة القسم بالإضافة إلى بعض المظاهر السلبية التي تؤدي إلى ضياع الوقت أحيانا، يمكن القول بأن جماعة القسم تمتلك فاعلية أكبر في مواجهة المشاكل المعرفية التي تعترضها، نظرا لما تتضمنه من خبرات متعددة ومتنوعة تسمح لكل عضو مشارك بالاستفادة منها. فكما أن التلميذ يخضع لتأثيرات سلبية داخل جماعة القسم مثل الشغب أو الخمول أو الغش...، يمكنه أيضا أن يتأثر إيجابيا بأقرانه التلاميذ الذين يتميزون باعتماد استراتيجيات تعلمية أكثر فاعلية. مما يفرض عليه إيقاعا أسرع للتعلم والبحث عن أنجع السبل لاكتساب المعارف وتقييمها.  
وإذا كانت البيداغوجيا التفاعلية قد وضعت ضمن أولوياتها الاهتمام بمختلف التفاعلات التي تحدث داخل الجماعة التربوية وما ينتج عنها من ظواهر نفسية واجتماعية مختلفة، فإن دينامية الجماعة تشكل موضوعا خصبا يمكن من قراءة وتحليل هذه التفاعلات انطلاقا من الخصائص التي تميزها، حيث كشفت عن إمكانات هائلة من خلال مختلف التطبيقات التربوية داخل الفصل الدراسي سواء على مستوى تغيير وثيرة الاكتساب المعرفي ومحصلاته، أو على مستوى تغيير استراتيجيات التعلم في اتجاه اكتساب مهارات التعلم الذاتي ومنهجية حل المشاكل المعرفية، أو في اتجاه اكتساب مهارات يمكن استثمارها على المدى البعيد مثل  الاندماج الاجتماعي وحسن التوافق. 

المراجع

  • أحمد أوزي(2000) المراهق والعلاقات المدرسية. منشورات مجلة علوم التربية. 
  • جميل صليبا (1982) المعجم الفلسفي. دار الكتاب اللبناني. بيروت. 
  •  عبد المريد عبد الجابر قاسم. (2017). دينامية الجماعة بين النظرية والتطبيق.دار المسيرة. عمان الأردن.
  • عبد الرحمن محمد عيسوي (1974) دراسات في علم النفس الاجتماعي. دار النهضة العربية للطباعة والنشر. بيروت. 
  • عطوف ياسين (1981) مدخل في علم النفس الاجتماعي. دار النهار للنشر بيروت. 
  • كمال بكداش، رالف رزق (1981) مدخل إلى ميادين علم النفس ومناهجه. دار الطليعة بيروت. 
  • موريس دوبيس. جاستون ميالاري (2005). علم النفس التربوي. ترجمة عبد الكريم غريب. ومحمد فاوبار. منشورات عالم التربية.
  • André Lévy(1986). Psychologie sociale. Texte fondamentaux. Tome1. Dunod. Paris 
  • Dörnyei, Z., & Murphey, T. (2009). Group Dynamics in the Language Classroom. Cambridge University Press 
  • Forsyth, D. (2017). Group Dynamics (7th Edition). Cengage. 
  • Encyclopédie du monde actuel (1975). Collection dirigée par Charles Henri Favrod. Paris 
  • Kurt Lewin(1976). La psychologie dynamique. PUF 
  • Lieury A. Fenouillet F. (1997) Motivation et réussite scolaire. Dunod. Paris 
  • Maisonneuve, J. E. (2011). La Dynamique des groupes. PUF.
  • Oberlé, D. (2016). La dynamique des groupes. Presses universitaires de Grenoble.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

سوسيولوجيا المدرسة

مقاربات في سوسيولوجيا التربية

مقاربات في التدريس - المقاربة بالأهداف التربوية